هل يتزلج المتفاوضون على الثوابت أم أنهم يغوصون في مياه آسنة؟

TT

انتهت المفاوضات في كامب ديفيد بين الطرف الفلسطيني، والطرف الاسرائيلي ـ الاميركي وخرج السمسار الاميركي ليعلن فشل المفاوضات (عدم الوصول الى اتفاق) وحمل المسؤولية للمفاوضين الفلسطينيين لانهم تجرأوا وقالوا «لا» وحيث اننا نسمع هذه الكلمة لأول مرة، فقد اثلجت صدورنا وصدور كل المؤيدين للحد الادنى من التسوية او السلام في حدود الممكن، فالقدس التي هي اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ألا تستحق ان نقول لا لبقائها تحت الدنس الاسرائيلي، والتهويد المستمر؟

.. اللاجئون الذين يعيشون في الشتات، وكثير منهم يعانون اوضاعا مأساوية، وحرمانا من أبسط الحقوق المدنية، اضافة الى القيود التي تفرضها معظم الدول العربية على تنقلهم وسفرهم تحت ذارئع غير مقبولة ولا مقنعة، الا يستحقون كلمة «لا» لبقائهم بلا وطن؟ انها شحنة ايجابية ترفع معنوياتنا، وقد كان، إلا ان ذلك لم يستمر طويلا، فقد دخلنا ثانية في لعبة الالغاز، فها هو صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، والمفاوض حسن عصفور وغيرهما عادوا ليعلنوا من خلال تصريحات هنا وهناك ان المفاوضات لم تفشل وما زالت مستمرة؟! فاذا كان الامر كذلك، فلماذا كل هذه السرية؟ أليس من حقنا ان نسأل على ماذا يتفاوضون؟! فالقنوات السرية تسير جنبا الى جنب مع المفاوضات المعلنة حتى اننا نجد عدة قنوات في وقت واحد، ثم لا نعلم شيئا مفيدا عما دار فيها سوى التصريحات المتضاربة. ان كلمة «لا» التي قالها المفاوض الفلسطيني ـ والتي جاءت متأخرة ـ هل نكتشف انها قيلت لهدف تكتيكي أو بسبب ظرف وقتي ما يلبث ان يتلاشى؟! ولم لا وقد اوصدت الابواب امام القوى الاخرى للمشاركة في تدعيم وتقوية موقف المفاوض الفلسطيني بكافة الممارسات التعسفية لكون السلطة تعتقد ـ او تريد أو يراد لها ـ انها الوحيدة القادرة والمؤهلة للاستئثار بالقرار والوصول الى افضل النتائج، لذا فليس غريبا ان يصرح وزير الامن الوقائي في السلطة الفلسطينية ان فرصة السلام التاريخية المتوفرة حاليا لا بد من استغلالها على احسن وجه كيلا ننتظر خمسين سنة اخرى، مضيفا في نفس الوقت رفض التنازل عن القدس الشريف وعودة اللاجئين لأن ذلك من الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن الحياد عنها؟! لقد قدمت السلطة التنازل تلو الآخر، وتعود الاسرائيليون منذ مدريد واوسلو على كلمة «نعم» التي تأتي بعد كلمة «لا»، فهل تغير هذا النهج، وتبدلت هذه الاستراتيجية؟! ويطل علينا نبيل عمرو ـ وزير الشؤون البرلمانية في السلطة الفلسطينية ـ عبر احدى القنوات الفضائية ليخبرنا بأن الرئيس ياسر عرفات كان وما زال عبر مسيرته النضالية الطويلة يرفض الرضوخ والاستسلام، ويقاوم بصلابة وعناد كل الضغوط. وها نحن نرى جولات الرئيس عرفات في مصر والسعودية وليبيا وجنوب افريقيا وايران وفرنسا وروسيا والصين وغيرها من الدول لتوضيح ما اسفرت عنه مفاوضات كامب ديفيد الثانية محاولا ان يحظى بكسب وتأييد عربي واسلامي ودولي. والى ان يحين موعد انعقاد المفاوضات الثنائية الفلسطينية ـ الاسرائيلية ومن بعدها كامب ديفيد الثالثة ـ اذا سارت الامور كما هو مخطط لها ـ فلا نملك سوى الانتظار، ولا بد ان نتمنى مخلصين ديمومة السعادة لسمير عطا الله عندما اشاد في العدد 7914 بالشعب الفلسطيني، وطلب منا ان ننحني لهذا الشعب الذي لم ينقرض، بل قاوم كل عوامل الابادة والفناء، وابدى اعجابه بالمفاوض الفلسطيني في كامب ديفيد، ذلك المفاوض الذي كان يرفض وينسحب ويصر. ويعيد سمير الى ذاكرتنا سقوط مقولة وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر الذي اعلن ساخرا ومتهكما قبل ربع قرن أن لا فلسطينيين هناك، وكان الحديث السائد في ذلك الوقت عن افضل السبل وأهونها لتصفية القضية الفلسطينية.

لقد كان سمير صادقا ومتعاطفا ومشجعا، فهل سيكتب ثانية بألم وحسرة وخيبة امل؟