رسالة إلى المحرر: هل هي السذاجة الأميركية؟

TT

* «كيف أقيم عشرات الآلاف الذين قتلوا في سوريا مقابل عشرات الآلاف الذين يقتلون حاليا في الكونغو»؟

هكذا تنصل الرئيس الأميركي باراك أوباما بهذا الرد معبرا عن موقفه تجاه ما يدور في سوريا، مما أذهل وأفزع الكثر، وتساءل البعض منهم: هل الكونغو مثل سوريا؟ مع كل الاحترام للكونغو وضحاياها؟ وهل هناك فارق بين قيمة إنسان وآخر؟ مع العلم أن عالم السياسة تطغى عليه المصالح ويخلو غالبا من هذه القيم الإنسانية. من البديهي أن تستهجن الطبقات الفكرية البسيطة تصريحات أوباما في ما يتعلق بعدم التعجل ودراسة الوضع في سوريا بشكل كامل. ولكن، ما يحير أو يثير القلق، أن تكتب المقالات حول سطحية أوباما وقلة إدراكه أو إلمامه بالأزمة الإنسانية في سوريا وأبعادها وما تنتجه من كوارث أمنية وسياسية وطائفية، لا بل وأكثر من ذلك، ألا وهو اتهام الرئيس الأميركي بإشكالية قلة فهمه للمنطقة، حين شبه بعض المعلقين ما يجري في سوريا اليوم بما حدث في أفغانستان وتجاهل أميركا لها وهي لا تزال تعالج مشاكلها، كأنهم يحاولون توضيح الأمور الخافية على رئيس الدولة العظمى. ولكن حقيقة الأمر أنه كان هناك تقاطع مصالح في أفغانستان، حيث لم تمانع واشنطن ظهور طالبان في البداية، لكنها سرعان ما اختلفت معها بعد ذلك فانقلب الوضع. أما في سوريا، فالدب الروسي ينتصب في وجه الرئيس الأميركي ملوحا بأوراقه، مما يدفع بالأخير إلى التريث وإعادة النظر مرارا وتكرارا قبل الإقدام على أي خطوة قد تطيح بالمنطقة بأكملها إن لم تدخلنا في حرب عالمية ثالثة. فروسيا، التي تشكل الجزء الأكبر من الاتحاد السوفياتي السابق بكل ما فرضه من توازن قوى خلال فترة الحرب الباردة، كانت - وما زالت - تشكل عامل ردع بوجه القوة العظمى الحالية الوحيدة، أي أميركا، وهي بالتالي تشكل «جبهة رفض وتصد» للسياسة الأميركية. وروسيا اليوم، قوة لا يستهان بها على جميع الأصعدة. هل قيم كتاب المقالات الذين يتحدثون هذه الأيام عن سطحية أميركا وقلة إدراك أوباما للمنطقة، هذا الحليف القوي لسوريا؟ وهل تساءلوا عن إمكانية التدخل الروسي العسكري من أجل حماية مصالحه والمحافظة على آخر قاعدة له في المياه الدافئة؟

إن انحسار الدور الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفقدان روسيا نفوذها حول العالم لصالح أميركا، كما حدث في أفغانستان، وفي العراق، وفي ليبيا مؤخرا - لا يعني تلقائيا استعداد موسكو التخلي عن آخر موقع نفوذ لها في منطقة الشرق الأوسط، لصالح السياسة والطموحات الأميركية. السؤال إذن: هل يجب أن يكون موقف أوباما المتأني تجاه سوريا يظهر السذاجة الأميركية أم الحنكة الأميركية؟

كاتيا إدوار - لندن - بريطانيا