المصالحة الوطنية في ليبيا

رسالة إلى المحرر

TT

رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» تحية وبعد:

مضى على التغيير في ليبيا الآن عامان تقريبا، وما زال الليبيون يلهثون وراء الهاجس الأمني. انقسم الليبيون الآن قبائل شتى، وطلعت من تحت الرماد ثارات الماضي، وكشرت القبائل عن أنيابها، تلهث خلف ثارات تجاوزها الزمن. لقد نجح الليبيون بمساعدة خارجية في أن يتخلصوا من حكم قهرهم سنين طويلة، وأذلهم وحرمهم، ولكنهم الآن التفتوا إلى بعضهم بعضا، فبدأت السيوف تشهر، والرماح تبرى، والخيول تسرج، وأضحت كل قبيلة تسعى للحكم وتدعي أنها أهل له، مقصية القبائل الأخرى. هناك دول داخل هذه الدولة المترامية الأطراف. وهناك لا عبون في الخفاء يعبثون بمقدرات هذا الشعب، بعدما أوقدوا نار الفتنة بين أبنائه. والغريب أن الليبيين يعرفون هذا جدا، لكنهم لا يدرون ماذا يفعلون. ظهرت قوى جديدة للوجود في هذا البلد بعد أن كان حكم الفرد مهيمنا وقابضا قبضته الحديدية عليه. لكن المسألة الآن هي تعدد مصادر القوى. من يحكم ليبيا الآن؟ قبائل شتى يقرعون العصي لبعضهم بعضا، وكل يدعي الحلم.

ووفق هذا الخضم من الفوضى التي هي ليس خلاقة، بل مدمرة وجالبة للشر المستطير، ينبغي للعرب خصوصا، أن يدركوا أن ترك ليبيا بهذا الشكل من دون تدخل ومن دون نصح، من شأنه أن يمهد لفتنة تكون عواقبها وخيمة ليس فقط لليبيا بل للمنطقة برمتها.

وعليه فإننا نطمح لأن تتحمل صحيفة «الشرق الأوسط» جزءا من مسؤوليتها المهنية تجاه هذا البلد العربي، بأن تثير مسألة المصالحة الوطنية على صفحاتها. وأن تطلب من كتاب الرأي فيها أن يعالجوا هذا الموضوع بما يخدم الاستقرار في هذا البلد. فـ«الشرق الأوسط» للأسف، لم تول قضية المصالحة الوطنية الليبية اهتماما يذكر. ليس هناك حوارات جادة حولها. ليس ثمة كتاب رأي تناولوا هذه المسألة. كما أن التقارير والتحليلات المعمقة بشأنها منعدمة. إن الجنوب الليبي يداهمه خطر الاحتلال والهجرة المتدفقة عليه من الحدود الجنوبية المهملة، لأن الليبيين ليسوا في وارد حماية بلدهم من الأخطار الخارجية، بل إنهم يتقاتلون على المناصب في العاصمة طرابلس، والقبائل تتناحر على السلطة، ومن من أبنائها يتولى هذا المنصب أو ذاك.

أجل، شيء مخجل أن يهمل الليبيون أمن بلدهم، ويتناحرون على المناصب، لكن على العرب أن ينبهوهم لذلك.

هناك بلد عربي يتعرض لخطر التقسيم والتناحر القبلي، وهناك سلاح فتاك يتداول ويباع بأبخس الأثمان. وثمة أطماع خارجية في هذا البلد.

وباعتباري ليبيا أكتب لكم عن هموم هذا البلد الذي يمرر بحالة من الفوضى العارمة التي بدأها القذافي عام 1977، عندما شرع في تطبيق «نظريته الثالثة» ممثلة في كتاب الأخضر، نود منكم أن تولوا قضية الأمن ولمّ الشمل في ليبيا اهتماما خاصا، ذلك أن صحيفة «الشرق الأوسط» تعد واحدة من أرقى الصحف الاعتبارية في العالم. وما تتناوله من قضايا على مختلف الأصعدة يلقى اهتماما من الناس على اختلاف مشاربهم.

لذا، فإن إعطاء المسألة الليبية الاهتمام الكافي، سيساهم في علاجها، وينقذ هذا البلد من شبح الانهيار والفوضى الذي يعصف به.

نأمل من صحيفة «الشرق الأوسط» المرموقة أن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، وتولي الملف الليبي مزيدا من الاهتمام.