رسالة إلى المحرر: نجد الطيبة حتى في عالم القساوة

TT

«كل ما أسعى إليه الآن هو قضاء وقت مع كاثي، أنا أريد الوجود في المنزل بشكل دائم».. هذه هي الكلمات التي استخدمها جون ألن الجنرال الأميركي، الذي كان سيتسلم أرفع منصب عسكري أميركي ليصبح القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا لو أنه لم يعتزم التقاعد بسبب مرض زوجته كاثي التي تعاني من مشاكل صحية. وأن يكون الرجل جنرالا في الجيش يعني أنه يمتلك شخصية صلبة وصارمة، وأن المشاعر لا أولوية لها في حياته. هذا ما عرفناه عن جنرالات وقادات الحروب، ولكن أن تقرأ خبرا حول تخلي أحدهم عن منصب في غاية الأهمية من أجل البقاء في المنزل والاهتمام بزوجته، فهذا يعتبر خبرا نادرا خصوصا عندما يجتمع النقيض بالنقيض في شخصية واحدة.

هذا دليل على أن المهنة لا تغير من طباع ونفسيات البشر، ربما تفرض عليهم التجرد من المشاعر في أوقات يعتبرونها مصيرية، أو كواجب القيام المحترف بنوع من الأعمال، لكن عندما يعود الإنسان إلى عالمه وحياته اليومية العائلية وواجباته تعود الإنسانية لتشرق داخله إن كانت موجودة لديه. جميل أن نسمع في أيامنا هذه أخبار رجال يتخلون عن مناصب مهمة من أجل خيار القيام بواجب الشراكة الزوجية وقبول الشريك في السراء والضراء، بل وباقتناع أنه الخيار الأفضل لهم ودون ضغوطات تفرض عليهم القيام بذلك. والأجمل أن تسمع خبر تخلي رجل عن مركزه من أجل الاهتمام بزوجته المريضة، ولطالما سمعنا أنهم يتخلون عنهم من أجل عمل مهم أو امرأة أخرى. إنه دليل قاطع على أن المرء يستطيع الفصل بين العمل وحياته اليومية، وأن المهنة على الرغم مما تظهره من بعض جوانب شخصية الإنسان، فإنها أحيانا تغفل عن إظهار روح الطيبة داخله. وهو يؤكد أيضا أن الإنسان المسؤول والملتزم مهما اختلفت وظيفته واصطبغت بالقسوة فإنها تستطيع أن تجمع الأضداد معا، وتنتقل من الحرب إلى حالة السلم والمساعدة، لتؤكد أنه وفي أكثر مجالات العمل قسوة نستطيع رؤية روح الإنسانية.

تتعدد النظرات لتحليل عمل كهذا، لكن المهم من كل التحليلات أن الإنسانية ما زالت تعيش حتى في أكثر المهن البعيدة عن الأحاسيس، تحت أي مسمى يندرج هذا العمل، لا يهم. المهم أنه حصل ومن أجل مساعدة شريكة الحياة، وأنه حتى في القلوب القاسية نجد الحب والطيبة.

نجوى حداد - بيروت