رسالة إلى المحرر: سوريا على مشارف الحل السياسي ودور المعارضة السياسية

TT

عامان وأكثر والأزمة السورية تسير في مسار واحد: تدمير لسوريا سواء كان على صعيد اللحمة الاجتماعية أو البنية التحتية ومقومات الدولة؛ رغم كل هذه العوامل والمؤشرات فإن النظام البعثي السوري لا يزال متمسكا بالسلطة. ثمة مؤشرات برزت في الآونة الأخيرة تدل على أن الإدارة الأميركية ستنشط في الأيام المقبلة لتحريك الملف السوري، ومحاولة إنقاذ الوضع قبل فوات الأوان. هذا التدخل الأميركي تفرضه شروط محلية سورية بحتة وإقليمية ودولية، وعلى ضوئها سيصاغ الحل السوري؛ فسوريا ليست دولة عادية بل هي في قلب العالم العربي، وموقعها الجيوسياسي، والمعنوي، والتاريخي، وتركيبتها السكانية تفرض على الجميع الانتباه والاحتراز من التشظيات المخيفة إذا لم تتمكن جميع الأطراف من إيجاد حل سريع وعادل للأزمة السورية.

على الصعيد المحلي السوري البحت توجد قناعة بأن النظام لم يعد قادرا على الاستمرار في المعركة، لأن قدرته في تراجع ومع تراجعها تتفكك الدولة، وتتفتت اللحمة الوطنية السورية. فالمعارضة السورية استطاعت أن تجتاز أصعب المراحل عندما كانت تقاتل عارية الصدر، والنظام فشل أكثر في تقديم حل سياسي كان من شأنه أن يجنبه الكثير من الخسارة، ولربما ضمن له موقعا في المعادلة السورية المستقبلية. فالشعب السوري، ولنكن واقعيين، لم يعد يرى في بشار رئيسا بل تحول إلى رئيس لطائفة. لقد أثبت الرئيس السوري أنه ليس سياسيا وأن منطقه في السلطة لا يختلف عن أي منطق حاكم مستبد آخر يؤمن بشعار: أنا أو الطوفان! على الصعيد الإقليمي لا تزال إيران تصر على أن بشار خط أحمر، وتعتقد أنها قادرة على فرض الحل الذي يحقق مصالحها. وقد يتفهم المرء هذا التشدد الإيراني لأن سوريا تمثل خاصرة السياسة الخارجية الإيرانية، وقلب التمدد في العالم. وتكمن المشكلة أن القيادة الإيرانية لا تلقي بالا إلى تعقيدات الوضع السوري، وكأنها بهذا الاستخفاف تساوم على تعقيداته لإجبار القوى الأخرى الإقليمية والدولية لكنها بذلك تدفع الدول الإقليمية الأخرى للعمل بأقصى ما يمكنها لمنع تحقق المصالح الإيرانية؛ ولهذا بالإمكان رؤية المفاصلة القائمة على الأرض السورية حيث إيران تدعم النظام بكل أشكال الدعم، والدول الإقليمية الفاعلة تدعم المعارضة بقدر ما تسمح به المعادلة الدولية. الدول الإقليمية بدأت مؤخرا تتجاوز الخطوط الدولية مما انعكس تقدما ملحوظا للمعارضة المسلحة على الأرض السورية في المدة الأخيرة. ويمكن قياس هذا التقدم العسكري ليس من خلال المساحات التي احتلتها المعارضة بل من خلال لجوء النظام السوري إلى أكثر أنواع الأسلحة فتكا والتي هدفها في المقام الأول معنوي لإظهار قدرة النظام، وثانيا لإفهام المعارضين السوريين، والمدنيين بأن النظام قادر على تدمير أي منطقة تقع في يد المعارضة وبالتالي حرمانها من الحياة الطبيعية. كما أن ضعف النظام بدا واضحا لدرجة أنه بدأ يستعين بحزب الله وعناصر من ميليشيات شيعية عراقية، وأخيرا بعناصر من الحرس الثوري الإيراني. وقد وصل الأمر ذروته بإعلان المسؤول عن الدعاية الناعمة الإيراني أن سقوط النظام السوري سيكون أفظع من سقوط منطقة الأهواز الإيرانية العربية.

هذان التطوران المحليان سيترتب عليهما تطور دولي لافت وبالذات من طرف الإدارة الأميركية التي بدأت تستشعر الخطر الداهم من الأزمة السورية ليس فقط على التركيبة السورية بل على منطقة الشرق الأوسط، وعلى سمعتها في العالم؛ فعلى صعيد السمعة تشعر الإدارة الأميركية أنها تخسر يوميا الورقة الأخلاقية أمام فظاعة ما يجري في سوريا ولم تعد الإدارة الأميركية قادرة على غض الطرف لأنها إن فعلت ستخسر حتى الذين يؤيدونها في المنطقة. كما أنها لا يمكنها أن تركز على قضاياها الداخلية وعلى الدول الصاعدة في آسيا، وتترك الشرق الأوسط، لأنها إن فعلت ذلك فإن حلفاءها في آسيا سيشككون في مصداقيتها، وتتخلى عنهم في لحظة ما مثلما تخلت عن منطقة الشرق الأوسط. وكم كانت عبارة الرئيس المصري السابق معبرة عندما قال، نقلا عن وزير خارجيته السابق أحمد أبو الغيط، إن الذي يتغطى «بالأميركان عريان».

كما أثبت الغياب الأميركي عن الأزمة السورية انفراد روسيا بملفها، وعجز الاتحاد الأوروبي؛ فروسيا استفردت في الساحة السورية لاعتقادها بأن الولايات المتحدة لن تغامر كثيرا، ولقناعتها أن الاتحاد الأوروبي عاجز سياسيا وحتى عسكريا. وقد يفهم أو لا يفهم المراقب الموقف الروسي إلا أنه لا بد أن يسلم في النهاية أن السياسة الخارجية لا تحكمها فقط مصالح الدول بل أحيانا، وفي الدول الاستبدادية، شخصية القائد ورؤيته للعالم؛ فالرئيس بوتين تربطه صداقة مع القيادة السورية، ومصاب بعقدة انهيار الاتحاد السوفياتي، ويشعر بأن الفرصة سانحة لإثبات نفسه في الساحة السورية؛ لكنه كمن يحفر خندقا وكلما حفر أكثر تزايدت استحالة خروجه؛ وتشعر روسيا الآن أنها بحاجة إلى انخراط أميركي لإنقاذها من الحفرة التي أوقعت نفسها فيها، ولا يمكن فهم تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف مؤخرا بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى انهيار الدولة السورية إلا في هذا السياق.

وفق هذه القراءة يمكن القول إن كل الأطراف أصبحت جاهزة لإيجاد حل للأزمة وإن مقومات هذا الحل وبنوده الأساسية هي التي الآن محل تفاوض؛ فالمعارضة السورية السياسية نجحت لأول مرة، بإعلانها عن مقاطعة اجتماع أصدقاء الشعب السوري، وتعليق زيارتيها لأميركا وروسيا، في إجبار الجميع على الانتباه إلى أن وراءها شعبا يقاتل بدمه ولحمه. وقد أجبرت بالفعل المعارضة السياسية السورية أميركا على إدانة استخدام النظام السوري لصواريخ سكود وعلى تقديم وعود بريطانية وأميركية بمساعدات هامة مقابل حضورها وانخراطها في إيجاد حلول وهذا ما أثبته اجتماع روما.

وصلت الأزمة السورية إلى مفصل أساسي وهام وهذا يتطلب قدرة تفاوضية وتنسيقية متميزة بين الداخل السوري المعارض والخارج لرسم المرحلة المستقبلية لسوريا؛ فالمعارضة يجب أن تعرف أن كل الأطراف الإقليمية والدولية تريد تسوية تحقق لكل منها أكثر ما يمكن من الأهداف، ولذلك يترتب على المعارضة السياسية أن تقاوم كما قاومت المعارضة العسكرية وتعرف متى تقبل وكيف ترفض. ما هو مهم لهذه المعارضة بعد نضوج الحل الدولي أن تساهم في تحقيق الانتقال السياسي في سوريا وبأقل تكلفة ممكنة ومن دون التخلي عن ثوابت ضرورية لاستقرار سوريا، وإذا لم تحسن التفاوض فإنها إما أن تضيع هذه الفرصة الذهبية أو تحصل على تسوية لا تليق بحجم التضحيات.

* كاتب لبناني مقيم في لندن