شرف المهرة

TT

في عددها رقم 7957 الصادر يوم الأحد الموافق 2000/9/10 نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في الطرف الأيمن من صفحتها الأولى عنوانا بارزا، أكتبه كما ورد:

«اليمن: نساء المهرة يتظاهرن ضد المحافظ» تمعنت كثيراً فقد استرعى العنوان حقيقة انتباهي، ودفعتني أمور كثيرة الى التمعن فيه وقراءة محتوياته منها:

ـ الوقوف على أي معلومات جديدة تتعلق ببلادنا اليمن وهذه المرة تحديدا أي معلومات عن المهرة البلاد الجميلة وأهلها الطيبين.

ـ للتعرف على ما يكتنفه الخبر من أهمية أهلته كي يحتل مكاناً بارزاً في صدر صحيفة مهمة كـ «الشرق الأوسط» لا نلحظه في عناوينها البارزة وغيرها في ما يتعلق بأخبار اليمن وأهلها إلا إذا تعلق الأمر بالخطف والاختطاف.

ـ ثم أخيراً الوقوف على تفاصيل الحدث الذي دفع بنساء محافظة المهرة كي يتظاهرن ضد محافظ المهرة، إذ أيقنت تماماً أهمية الوقوف على السبب الأساسي الذي دعا نساء محافظة المهرة الطيبات العفيفات للتظاهر ضد المحافظ حسن مقبول الاهدل الذي أمسى غير مقبول خلافا لاسمه. والأمر حقيقة يستحق التعرف إلى ما أثاره من أفعال أو أقوال كانت سبباً للتظاهر.

يقول الخبر، تظاهرت نساء المهرة الطيبات الطاهرات ضد محافظ المهرة السيد حسن مقبول الأهول «صفة الطيبات الطاهرات إضافة من كاتب المقال وليست من مفردات الخبر»، نساء المهرة المطحونات بقساوة وظروف الحياة وتعقيداتها وهن كغيرهن من نساء اليمن جميعا يبذلن الجهود الخلاقة في سبيل تأمين لقمة عيش كريمة مساهمة في صنع حياة شريفة من خلال مشاركتهن في مجالات العمل المختلفة إيماناً وقناعة منهن أن العمل شرف وقيمة إنسانية مبجلة استحسنها الخالق على عباده ليصنعوا رونق الحياة من مخرجات العمل الشريف عملاً بقوله تعالى «وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون»، إذ عهدنا بنساء اليمن واخواتنا وبناتنا في محافظة المهرة في المقدمة يصنعن رونق الحياة نحتاً على صخرة المعاناة اليومية التي تخلقها تعقيدات الحياة المتزايدة من جانب والسيطرة والفهم المتحجر لعقليات ما زالت تنظر الى النساء باعتبارهن ناقصات عقل ودين في تجاهل متعمد لحديث سيد المرسلين الذي كرّم المرأة حين قال «خذوا تعاليم دينكم عن هذه الحميراء» قاصداً بذلك السيدة عائشة رضي اللّه عنها. ترى ما الذي دعا ودفع الأخ الأهدل محافظ المهرة كي يُضمن كتابه الموسوم «محافظة المهرة.. حقائق وأرقام» هذه العبارة القاتلة المفزعة «إن من يتزوج امرأة أخرى يسجن.. بينما علاقات الحرام مسموح بها إلى وقت قريب».

عنوان جميل لكتاب بديع لكن محتواه يحتوي على السم الزعاف، مما يدعونا الى التساؤل من السيد المحافظ عن الأسباب الكامنة وراء تبني مثل هذه الفكرة الجهنمية القاتلة التي ترمي المحصنات بأقذع النعوت والأوصاف وكيف استباح لنفسه وهو القيّم المؤتمن على شؤون محافظته أن ينهش في أعراض الناس ويطيح رؤوس كل نسوة اليمن بهذه الصورة الخبيثة ليدخلهن مرة أخرى في سراديب الفتاوى القاتلة التي تُكفر مرة وتهتك الأعراض مرة أخرى وكأن أعراض الناس مجال للعبث بالنار من خلال العبث بالأعراض، فكفى باللّه فتاوى كتلك التي أصدرت في حضرموت وقبلها الفتوى التي تنصل منها قائلها بعد أن أحرقت الاخضر واليابس، حيث كانت فتوى من مخرجات عصر الظلمات ما زالت مختزنة في ذاكرة الشعب كأسوأ ما تكون الذكرى لن يمحوها إلا فكر مستنير يعيد الأمور إلى نصابها مقراً أن اليمن كل اليمن وكل أهله تظللهم الحكمة المحمدية الدائمة «الإيمان يمان والحكمة يمانية».

ظللت مجهد العقل، مضطرب الفؤاد، أحاول جاهداً تجميع ولملمة الأفكار وأنا شارد، كالذي أصيب بخيبة أمل كبيرة من تلك العبارة التي أوردها السيد المحافظ عن نساء محافظة المهرة وتساءلت بحسرة عن سر هذه الابتكارات التي تتوالى على أبناء وبنات شعبنا، ابتكارات من العبارات الثقيلة التي تكفر وتقتل وتنتهك الأعراض وتدمر قداسة الأسر وتخرجها من ملة الإسلام.

سيدي المحافظ، أعراض الناس وشرف نساء بلاد المهرة وبلاد اليمن كلها لا تقررها صهوة حصان جامح ولا قطرات قلم منفلت ولا ينبغي ان تجير لصالح مواقف سياسية لطرف على حساب آخر. أعراض الناس أمانة دونها الاهوال، والفقرة التي وردت في كتابكم وتقرر بيقين مطلق ما بعده يقين امر يثير الاستغراب، فكيف سمحتم لأنفسكم بهذا الحكم المطلق وكيف استراح ضميركم لهذه الإهانة البالغة التي الحقتموها بنساء المهرة العفيفات، وكيف استراح ضميركم والى أي البينات استندتم لاصدار هذا الحكم المطلق الظالم الجائر، ولماذا غابت عنكم حكمة إسلامنا الحنيف حين أمر أن ندرأ الشبهات وأنت الأمين المحافظ الذي يلقي عليك مركزك الوطني والديني عبء المحافظة على سمعة وشرف بنات ونسوة المحافظة التي آل إليك أمر إدارتها، ألم يكن من الأفضل أن تسلط اجتهادك وعبقريتك لابتكار أفضل الحلول العملية لمشكلات المحافظة وهي كثيرة بدءاً من ما تخلقه ظاهرة البطالة وتفشيها من مشكلات وما تجره من ويلات مروراً بالمشاكل الصحية ومشاكل التربية والتعليم والمياه والكهرباء بدلاً من ذلك الحريق الذي أوقدته عبارتك سالفة الذكر؟ واعتقادنا راسخ سيدي المحافظ أن المهرة وأهلها الطيبين لا يستحقون منكم هذه الشرارات التي أحرقت جلودهم وقضت مضاجع نومهم ونهشت نهشاً أعراضهم، فأهل المهرة أهل خير وخبرة وأهل هجرة وتطلع دائم نحو مستقبل أفضل، فلا تقطعوا أبصارهم بمثل هذه الفتاوى التي تعمي القلوب وتخطف الأبصار وتلحق الضرر والدمار. وأقل ما نطلبه لنساء المهرة وبناتنا واخواتنا فيها سحب البساط سريعاً لإيقاف هذا الحريق والتقدم لهن بالاعتذار فهن أهل لذلك والاعتذار لهن اعتذار لنساء اليمن الفاضلات جميعا وهو أمر ملح ومطلوب.

سر عجيب هذا الذي يدفع بعض المحافظين الى اصدار فتاوى ضد نسائنا وبناتنا واخواتنا فبعد ما قاله محافظ المهرة في حق نسائها، تفتق ذهن والي الخرطوم في السودان الشقيق واصدر فتواه بمنع النساء عن العمل والبقاء في أماكن العمل التي من خلالها يسهمن في صنع حياة كريمة.

نسأل الله ألا تتوالى علينا مثل هذه الفتاوى لتطيح ما تبقى، وألا يأتي زمن علينا نأخذ فيه تعاليم ديننا من جهابذة مدارس طالبان في افغانستان.