الانتخابات اللبنانية بين السياسة والاقتصاد

TT

لم يكن أكثر الراغبين بفوز رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري يتوقع هذا الانتصار في بيروت لقائمة الكرامة ممثلة بثمانية عشر مرشحاً برئاسته. فقد كانت التوقعات تشير على الأرجح الى فوز بين ثلاثة عشر وأربعة عشر مرشحاً. بالتأكيد ما حدث يشبه الزلزال السياسي، خاصة في الشارع السني والأرمني. فقد خسرت الزعامات التاريخية للسنة، مثل سليم الحص وتمام سلام واصبح رفيق الحريري يتولى الزعامة، وخرج الأرمن عن إجماع حزب الطاشناق فخرجوا من الموالاة التي كانت صفتهم الدائمة منذ استقلال لبنان. لماذا حقق رفيق الحريري هذا الانتصار الساحق، وسقط الاقتصادي البارز الدكتور سليم الحص، الذي اشتهر بالنزاهة والوطنية المتناهية في احلك الظروف التي سادت لبنان؟، لم يعد الناخب اللبناني يكترث كثيراً بالشأن السياسي، فهو يرى ان الساسة لا اختلاف كبيراً بينهم في طروحاتهم السياسية، وبالتالي فان الهم الأهم لديه هو الهم المعيشي اليومي في ظل أوضاع اقتصادية خانقة. فحجم الإنفاق الحكومي، ونمو معدل الناتج المحلي، ومعدل البطالة، أهم بكثير لدى الناخب من الطائفية والمزايدات وشعارات حقبة الستينات، فالاقتصاد لديه هو المحرك للسياسة وليس العكس. الحكومة الحالية برئاسة سليم الحص لم تستطع ان تزيل العبء الاقتصادي الثقيل عن كاهل الفرد اللبناني مما جعل الناخب اللبناني والبيروتي، على وجه التحديد، يرى في رفيق الحريري الخلاص وانه كرجل أعمال أكثر قدرة على إدارة الحكومة من الأكاديمي الاقتصادي سليم الحص، لذلك سقط الحص وصعد نجم الحريري. هذا سيكون مأزق رفيق الحريري ان هو تولى رئاسة الحكومة، فالدين العام يتجاوز 20 مليار دولار، ومعدل الناتج المحلي اصبح نموه سلبياً، ومعدل البطالة تجاوز 17%، ومعدل التضخم يلهب بسياطه كاهل الفرد اللبناني. ويعي رفيق الحريري أنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن جزء كبير من الأزمة الاقتصادية الحالية، فقد تولى رئاسة الحكومة في عام 1992م والدين العام لا يتجاوز 3.5 مليار دولار وخرج من رئاسة الحكومة في أواخر 1998م والدين العام يتجاوز 17.5 مليار. كيف يستطيع رفيق الحريري إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية؟ بالتأكيد سيكون ذلك محل ترقب من الجميع إن هو تولى رئاسة الحكومة بعد انعقاد البرلمان الجديد في أواخر الشهر المقبل. فزيادة معدل نمو الناتج المحلي ـ وهذا ما طرحه الحريري كحل ـ ليس بالأمر السهل على دولة تعتمد على الخدمات وهي الميزة التي لم تعد تنافسية للبنان بعد ان اصبحت العديد من الدول العربية تمتلك هذه الميزة التنافسية. أما السياحة فالحريري يعي تماماً ان المناخ السياحي السائد سابقاً لم يعد موجوداً، بل إن هذه الميزة أيضاً أصبحت العديد من الدول العربية تسعى لمضاهاة لبنان في هذا القطاع، ولعل التغير في التوجه السياحي الخليجي حالياً لم يكن من ضمن التوقعات فأصبحت دول الخليج ترى أن السياحة صناعة تساهم في زيادة معدل نمو الناتج المحلي، وبالتالي فهي أولى بشريحة عريضة من السياح الخليجيين. إن لم يستطع رفيق الحريري أن يخرج لبنان من أزمته الاقتصادية الحالية بحلول عملية لا تنفصل عن الواقع ولا تجنح إلى الخيال فهو سيواجه المأزق نفسه، الذي واجهه سليم الحص لتشكل الانتخابات النيابية في عام 2004 أفول نجم رفيق الحريري. أما إذا نجح في إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، وهذا هو الأهم، فسيشكل نموذجاً في العالم العربي بدخول رجال الأعمال إلى إدارة الشأن العام في زمن الخصخصة ومنظمة التجارة العالمية باتفاقياتها المتعددة، ليصبح القطاع العام أكثر كفاءة وأعلى قدرة على توظيف موارده بما يساهم بزيادة الإنتاجية. وستكون دول عديدة قابلة لتطبيق نموذج الحريري ومن أبرزها: مصر، الأردن، والمغرب، واليمن، وتونس. إن متابعة تجربة الحريري لم تعد شأناً لبنانياً صرفاً، بل أصبحت شأناً إقليمياً نتيجة ما سوف يحدثه ـ إن نجح ـ من تغير في التركيبة السياسية العربية، عندها لن ينظر إلى القطاع الخاص بالريبة بأنه لا هم له سوى امتصاص خيرات الشعوب العربية، وسيرى ان رجال الأعمال يستطيعون إدارة القطاع العام بكفاءة أعلى مما ينعكس إيجابياً على الشعوب العربية.