التنازل التكتيكي عن السلطة ولعبة النظام

TT

نشرت جريدة «الشرق الاوسط» في العدد رقم 8396 خبرا تحت عنوان «البشير: مستعدون للتنازل عن مواقعنا في السلطة التشريعية شريطة الاتفاق على برنامج». وهو الخبر الذي اعلن فيه الرئيس البشير ان حكومته على استعداد للتنازل عن المواقع في الحكم شريطة اتفاق كل السودانيين على برنامج محدد، والسماح بعدها لأي قوة تتفق على هذا البرنامج بالمشاركة في الحكومة. وقد اثار الخبر تساؤلات من نمط: لماذا يتطرق رئيس الجمهورية لموضوع التنازل عن الحكم وهو الذي ما زال في بداية ولايته الثانية التي بدأت قبل عشرة اشهر فقط؟ ما قاله البشير لا يعتبره سودانيون عديدون جديدا او لفتة نادرة فقد سبق وسمعنا المقولة نفسها من الفريق ابراهيم عبود (وبالتحديد في 28 اكتوبر (تشرين الاول) من عام 1964)، عندما خاطب، عبر الاذاعة، الجماهير السودانية الغاضبة، التي خرجت ضده في ذلك اليوم، وسيرت مظاهرات عارمة تطالبه هو والمجلس العسكري بالاستقالة وعودة النظام العسكري الحاكم للثكنات. وايضا وفور عودة الديمقراطية وحكم الاحزاب، تقول احداث ذلك الزمان.. انه ومع اشتداد حدة المظاهرات ما كان هناك من حل آخر امام عبود إلا محاولة امتصاص الغضب الجماهيري بوعود كثيرة وسريعة.

ولكن مع اشتداد ضغط الجماهير الزاحفة على القصر تنازل عبود لرغبة الجماهير وتنحى عن الحكم في 30 اكتوبر من نفس العام، وتسلم من بعده السلطة سر الختم الخليفة الذي تنحى بدوره بعد الانتخابات العامة، وتعتبر عملية التنحي هذه هي الثانية في تاريخ البلاد.

وجاء نميري للحكم عام 1969، وكانت اولى خططه ان يتفادى الوقوع في اخطاء سابقه وزميله في العسكرية عبود، فشرع في بناء الاتحاد الاشتراكي بغية ان يكون حزبا يضم كل الوان طيف السياسة السودانية بالبلاد، لكنه ارتكب خطأ كبيرا عندما انفرد بالسلطة ولم يحترم مؤسساته التي شيدها. ولقد شهدت سنوات السبعينات الكثير من الاضطرابات والقلاقل ضد حكمه، فعمد وفي احدى حالات نوبة غضب منه الى التنحي عن السلطة، لكنه ارجع نفسه للسلطة سريعا وبصلاحيات ديكتاتورية اكبر، وجاء يوم 6 ابريل (نيسان)، الذي شهد رحيل الحكم المايوي، وآلت السلطة الجديدة وقتها للفريق سوار الدهب (الذي انقلب على نميري)، وقد أكد الرئيس الجديد انه هو وزملاؤه الضباط سيتنحون تماما عن السلطة بمجرد انتهاء الترتيبات للانتخابات العامة، وتنحى بدوره عام 1986 عن الحكم.

وبما ان الاوضاع في السودان قد اصبحت تزداد ضيقا ويدور جدل داخل ادارة الرئيس الاميركي بوش حول هدف الحملة المقبلة على الارهاب، حيث يتردد اسم السودان، وبعد فشل حلول الوساطات، لماذا يستمر النظام القائم وكل الطرق تؤدي الى رحيله؟