عدالة القضية التركمانية في كردستان العراق

TT

كان لأرشد ضياء، العديد من المشاركات في بريد «الشرق الأوسط»، آخرها ما كتبه في العدد 8465 بتاريخ 31 يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث تناول مطولا، الوجود التركماني في كردستان العراق. الشيء الواضح، أن أرشد، ومن خلال ما اورده، اخذ ينفخ في أبواق الدعاية التركية، في هذا الوجود الذي لم يظهر إلا مؤخرا فما هي أسباب ذلك :

من البديهي جدا أن الشريط الجغرافي التركماني، الذي تحدث عنه ارشد، يهدف إلى محاصرة أكراد العراق (فهو يحيط إحاطة كاملة بكردستان العراق كما يدعي)، وكذلك عزلهم عن بقية الأكراد في البلدان المجاورة وبالأخص أكراد تركيا، و ذلك لتخوف الحكومات التركية المتعاقبة من قيام دولة كردية في كردستان العراق (وهذا شيء غير وارد من وجهة نظر حكومتي كردستان)، وفتح بوابة لأكراد تركيا لتصعيد نضالهم بهدف الحصول على الحكم الذاتي.

أما عن مصداقية هذا الشريط الجغرافي، فهو أبعد من أن يكون شريطا واحدا متصلا جغرافيا أو ديموغرافيا، بل هو عبارة عن مجموعة من القرى المنتشرة هنا وهناك على شكل جزر لا ترتبط ببعضها، ولا تشكل كتلة جغرافية واحدة بأي حال من الأحوال. اما الحديث عن وجود مليون تركماني في كردستان العراق، فهذا بكل بساطة أمر مناف للحقيقة وللواقع تماما وأبسط دراسة سكانية لتلك المنطقة تنفي هذا الادعاء. إن الحديث عن مدينة كركوك الكردية، قبل التهجير القسري لأبنائها الكرد على يد النظام الحاكم في بغداد، على أنها مدينة تركمانية خالصة، فيدل على أن مطالب الحكومة التركية ما عادت تقتصر على آبار نفط الموصل، بل يبدو أن آبار نفط كركوك أدرجت على قائمة الحقوق التركية في كردستان العراق، ويبدو أن الحكومة التركية لم تعد ترضى باقتسام كعكة النفط مع الحكومة العراقية الضعيفة، أو مع إدارة الحكم الذاتي الناشئة في كردستان، بل تريد ابتلاعها لوحدها. لا شك في أن شعب العراق بأكمله، من عرب وكرد وتركمان وآشوريين، عانى من الاضطهاد بكافة أشكاله على يد الحكومات الانقلابية الحاكمة، فهذه مأساة مشتركة لكل هذه الشعوب، ولكني اعتقد ان التركمان والآشوريين والأقليات الأخرى في كردستان، حصلت على مكاسب عدة، كالحقوق السياسية (تشكيل أحزاب تمثل هذه الأقليات في حكومة وبرلمان كردستان)، والحقوق الثقافية (الجمعيات والأندية الثقافية الخاصة والتعليم) وغيرها، في ظل إدارة حكومة إقليم كردستان، ولا أظن أن أخلاقيات الشعب الكردي تسمح بممارسة الظلم و التشريد، الذي عانى منه الاكراد لعقود طويلة، على شعب آخر كما يحاول أرشد الايحاء بذلك.

يبدو أن ارشد، وبعض الاوساط التركية، منزعجون من وجود بعض المنتديات وما ينظم من حوارات بين فترة وأخرى، بين المثقفين العرب والمثقفين الأكراد، ويريدون غلق هذه النوافذ من خلال التلويح بفتح الملف التركماني.

أما عن المقارنة بين القضية الكردية والملف التركماني في العراق فتبدو صعبة جدا فالتاريخ النضالي للشعب الكردي يمتد لأكثر من سبعين عاما قدم خلالها الشعب أعظم التضحيات لانتزاع أقل الحقوق الإنسانية ألا وهو الاعتراف بالوجود والهوية الحضارية المميزة له، ومن ثم الحصول على حق الإدارة الذاتية لكردستان العراق، وهذا ما لم نجده في الملف التركماني الذي كان مثقفوه مشغولين دوما في الدفاع عن قضايا الدولة التركية والترويج بنظرياتها حول مشاريع ضم أجزاء من أراضي الدول المجاورة سواء من اليونان (قبرص) أو سورية (اللواء وأنطاكية) أو العراق (الموصل وعلى ما يبدو كركوك الآن) وإيران (المناطق الأذربيجانية) أو بعض المناطق الأرمينية المحاذية للحدود التركية. أما الحديث عن القضية فهي كلمة حق يراد بها الباطل، فهذا ما تحاول الحكومة التركية بقيادة بولنت أجاويد (صاحب سيناريو احتلال قبرص) ترويجه للرأي العام، وذلك بأمل إعادة سيناريو قبرص في كردستان العراق بحجة حماية الأقلية التركية.