دفاع من أصولي مسلم عن المسيحيين العرب

TT

جاء في مقال عبد الرحمن الراشد، المنشور في «الشرق الأوسط» تحت عنوان «موقف المسيحيين الليبراليين من القاعدة، قوله «والحقيقة أنني كنت من قبل، ولا أزال، بعد الأحداث الأخيرة، التي جعلت الأمور أكثر وضوحاً، المس ميل المجاملة الذي يصبغ آراء كثير من المثقفين المسيحيين العرب، وهم يتقدمون الصفوف دفاعا عن الحركات الاسلامية المتطرفة».

ما أود قوله هو أنهم لم يجاملوا، ولم يدافعوا عن حركات متطرفة، انما دافعوا عن حركات اسلامية في اوطانهم العربية، والاسلامية، تواجه، وحدها من دون دعم حكومي أو اعلامي، الحملة الاميركية والغربية والاسرائيلية لتركيع وترويض الأمة العربية والاسلامية، والهيمنة عليها، واستغلال مواردها وقسرها على الايمان بما تؤمن به أميركا والصهيونية العالمية.

ويقول الراشد «لم تكن معظم مقالات التعاطف التي صبغت طروحات المثقفين المسيحيين العرب، في السنوات الماضية، حتى بعد ظهور حجم الدمار الذي سببته تلك الحركات المتطرفة، الا تقية تمارسها المجموعة بكل أسف في وقت لم يعد الضرر خاصا بديانة أو طائفة بعينها».

فيا أخي ما الذي يدفع كاتباً حر التفكير والارادة، وبعيداً كل البعد عن أي ضغوط عربية حكومية أو شعبية، وفي قلب العالم الغربي، بعيدا عن أي تأثيرات من جماعات عربية او اسلامية، واستاذاً في أرقى جامعات الغرب مثل البروفيسور ادوارد سعيد للتقية. ماذا يتقي ومم يخاف؟ وماذا يرجو منا «لا خيل نهديها ولا مال» بل يعرض نفسه لحملات عدائية صهيونية وغربية. ومثل فندلي وجارودي، وما النفع الذي يعود عليه من هذه الجماعات الاصولية حتى لو تولت السلطة في بلادها؟

ثم يقول في صدر مقالته الأولى «قبل عشرين عاما لم يكن يحيرني موقف كاتب عربي مثل ادوارد سعيد، الذي دافع عن الثورة الايرانية في ذروة العداء الغربي لها، رغم انه مسيحي ومقيم في نيويورك. فقد كان موقفه مبنيا على أسباب اخلاقية وعلمية مبررة، جعلته اكثر من حارب فكريا بكتبه ومقالاته ومحاضراته دفاعا عن الاسلام في الغرب. لكن التطرف الاسلامي أوهن حجج كل من دافع عن التطرف الاسلامي من غير أهله بمن فيهم البروفيسور سعيد».

ورغم اعترافهم بأن كتابات سعيد مبنية على أسباب اخلاقية وعلمية مبررة، لم يستطع الراشد ان يأتي بدليل واحد أنه غير من أخلاقيته التي اشتهر بها. ولم نقرأ له مرة أنه دافع عن التطرف الاسلامي كما زعم، بل كان اكثر من دافع عن الاسلام في الغرب، كما تفضل بذكر هذه المنقبة له. وقد قرأنا لادوارد سعيد ربما اكثر مما قرأ الراشد له ولم نر نفاقا ولا رياء ولا مجاملة بل نراه، لا فض فوه، يكتب كما قال النابغة الذبياني:

قوافي كالسلام اذا استمرت ليس يرد مذهبها التظني ثم نرى الراشد يكتب كما كان يقول أحد اساتذتنا في القانون (انشاء عربي) حيث يقول «واذا أراد احد ان يطلب مني الدليل الملموس على نفاق معظم المدافعين عن القاعدة من المثقفين العرب مسيحيين أو ابناء طوائف اخرى، فإني لا املك الا ان اعيده الى بياناتهم ومقالاتهم، فهي دليل على رياء سياسي صارخ كان لهم أن يكتفوا بالصمت، وبالتالي تحاشي تهمة موالاة الولايات المتحدة، وهي الفكرة التي تقلقهم دائما وفي نفس الوقت تجنب التصفيق المزور للقاعدة». وهنا خلط أوراق وتعميم بلا دليل أو برهان وأنا هنا ادافع عن الكتاب المسيحيين الذين طالهم الهجوم الشامل غير المبرر.

وأنا وبحمد الله وفضله ممن يصنف في عداد الاصوليين وشيخ في العقد السابع، وقارئ يومي لجريدة «الشرق الأوسط» منذ صدورها.

انني كأصولي اسلامي، كما يصنفنا «العلمانيون»، أكن كثيرا من التقدير والاحترام لهؤلاء الكتاب من العرب المسيحيين الذين شملتهم حملة الراشد وغضبه واحتفظ في ارشيفي الخاص بكتابات ادوارد سعيد وكلوفيس مقصود وزغبي وأمثالهم، من اهل الانصاف والانتماء العربي ولدفاعهم عن عروبتهم وحضارتهم الاسلامية، وهم في قلب المجتمع الغربي، لم يجتحهم الطوفان الذي اجتاح للاسف الكثيرين هنا في العالم العربي والاسلامي، اعني الانبهار بالغرب والاخذ منه والنقل عنه.