جون قرنق والانتهازية السياسية

TT

على خلفية الوصف الذي اطلقه جون قرنق على الحكومة السودانية بأنها طالبان افريقيا، كما جاء في تصريح له بجريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 2002/3/17، فهمنا بأنه يأتي في سياق الانتهازية السياسية التي تتسم بها شخصية قرنق والحملات المغرضة التي ظلت الحركة الشعبية لتحرير السودان تطلقها في الآونة الاخيرة تشويها لسمعة السودان وتحريضا للقوى الكبرى لزعزعة استقراره كلما لاحت في الأفق خطوات جدية تدفع باتجاه الحل السياسي الشامل لمشاكل السودان. نقول: يخطئ قرنق اذا تخيل يوما بأن مثل هذه التصريحات تخدم طموحاته السياسية او تدفع في اتجاه تعبئة الرأي العام لمصلحة حركته، فالشعب السوداني اوعى من ان تنطلي عليه مثل هذه الدعايات الرخيصة. ويخطئ قرنق ثانية اذا توهم بأن اطلاق مثل هذه التوصيفات يعجل بوصوله الى سدة الحكم بذات الطريقة التي تم بها تغيير النظام في افغانستان، فالسودان ليس افغانستان، ولم يتورط في أي عمليات ارهابية في الداخل او الخارج حتى يكون عرضة لمثلما يخطط له قرنق! ورغم ايماننا العميق بأنه لن يحصد إلا السراب من وراء تصريحاته الماكرة إلا انه من الضروري تذكيره بالعبارة الشعبية «العب غيرها يا قرنق»، فالشعب السوداني لا يقبل بالحكومات المستوردة ولن يقبل بك حتى اطفال السودان الذين تجندهم قسرا للقتال الى جانب حركتك، اذا اتيت لحكم البلاد محمولا على أسنة الرماح الاجنبية! وبما ان الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي المعارض وجهان لعملة واحدة في توجهاتهما المتصلة باقامة السودان الجديد، فإنه من حقنا ان نستوضح ما المقصود بالسودان الجديد. هل السودان الجديد هو الذي يرفع فيه جون قرنق السلاح متمردا في وجه اي حكومة لا تتبنى طروحاته، ام انه هو الانفلات الأمني الرهيب الذي كان يضرب بأطنابه جميع مدن السودان بما في ذلك العاصمة الخرطوم في فترة الحكم الحزبي الاخير، ام انه اعادة لمسلسل الفوضى العارمة والضعف الذي كانت عليه مؤسسات الدولة إبان الحكم الطائفي الاخير بالسودان؟

لا ادافع هنا عن أي جهة سياسية، وانما اعبر عن الاحباط الذي يشعر به المواطن العادي جراء ما يحدث في البلاد من اقتتال وتدمير لمنشآتها الوطنية بسبب الصراع الدائر على السلطة والذي تحول منذ سنوات الى صراع عسكري عقيم أدى الى قتل وتشريد الآلاف واضعاف الاقتصاد مما انعكس سلبا على الاحوال المعيشية السيئة اصلا منذ أواخر حكم النميري. وبما ان غالبية السودانيين لا يعنيهم كثيرا ان يكون النظام الحاكم في السودان من هذا الحزب او ذاك بقدر ما يعنيهم ان تكون الحكومة القائمة وطنية تسعى جاهدة لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين وتحافظ على موروثاتهم الثقافية ووحدة بلادهم. ولأن الشعب السوداني عرف عبر تاريخه المعاصر بعدم تحمله واسقاطه سلميا للحكومات التي لا تلبي طموحاته الوطنية فمن الافضل للتجمع ان ينبذ العنف وسيلة لتغيير النظام وينتظر على رصيف المعارضة بالخارج حتى تقرر جماهير الشعب السوداني بالداخل مصير النظام القائم اذا كانت هناك حاجة للتغيير. وللتذكير نقول بأن جميع الحكومات العسكرية التي تمت الاطاحة بها في السودان قامت بها الجماهير بأساليب لا تمت بصلة لتوجهات التجمع العنيفة. فحكومة الفريق ابراهيم عبود مثلا اسقطت عن طريق ثورة شعبية كان وقودها طلاب جامعة الخرطوم في حين سقطت حكومة الفريق جعفر نميري عن طريق انتفاضة شعبية قادتها النقابات المهنية وفئة «الشماسة»!