القضاء يحكم بما هو أقل من ثمن الجوال

TT

> كتب عبد الرحمن الراشد يوم أمس الاثنين 18/2/1428هـ مقالا بعنوان (حبس سنة على هاتف جوال) تطرق فيه إلى قيام أحد القضاة بالحكم على أحد اللصوص الصغار بالسجن عاماً لأنه سرق هاتفا جوالا.. وانتقد هذا الحكم الذي أشار في مقاله إلى أنه لا يعرف خلفياته ولا ما هي الخيارات المتاحة أمام القضاة، وقال «إن السجن ليس المكان المناسب لإرسال الأحداث ومرتكبي الجنايات الصغيرة عموماً لأنهم يدخلونه هواة ويخرجون منه محترفين وعتاة إن بقوا فيه فترة طويلة». ومن يقرأ مقال الراشد بداية من العنوان يلحظ أن الكاتب يهون من جريمة سرقة الجوالات رغم أن الشريعة الإسلامية قد حددت نصاب السرقة في أقل من ذلك كما يعرفه أهل الاختصاص، وذلك ليكون أبلغ في الزجر وحماية لأموال الناس من عبث العابثين، كما يلحظ أن الراشد تناول قضية مهمة وحساسة، وتتعلق بجهازين مهمين هما القضاء والأمن دون أن يكون على اطلاع كامل على حيثيات الحكم أو طريقة التعامل مع من يرتكبون الجرائم صغيرها وكبيرها، حيث تصور أن السجن يجمع مختلف الأعمار وأصحاب القضايا المختلفة، وأن من يسرق جوالا أو غيره يوضع مع من يتاجر بالمخدرات، كما غاب عن الراشد معرفة كيف يتم الحكم في القضايا ومبررات صدور الأحكام وطرق تنفيذها، وهذا أمر ليس بغريب فبسبب بُعد عبد الرحمن الراشد عن بلده طوال السنوات الماضية وعدم اطلاعه على ما يجري فيها عبر الاطلاع المباشر أو من خلال الصحافة وما تنشره من قضايا من ضمنها سرقة الجوالات وما تتخذه الجهات الأمنية من إجراءات حيالها، أصدر الراشد هذا الحكم المبسط على قضية لا يُحكم فيها إلا بعد مداولات من قبل قضاء  ينطلق من أحكام شرعية تبين ماهية الجريمة وحدَّها وكيفية تنفيذ هذا الحد. إن الكاتب حينما كتب مقاله لم يسأل كيف يتم التعامل مع المدانين بمختلف القضايا وهو لا يعرف أن هناك نظاماً يصنف القضايا، ومرتكبي الجريمة حسب الجنس والسن ونوع القضية التي حكم  فيها، فمن هم دون الثامنة عشرة من المدانين الذكور وهم الأحداث لا يسجنون وإنما يرحلون إلى دور الملاحظة الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وتطبق بحقهم عقوبات تأديبية وليست جزائية ولا تسجل عليهم كسابقة. ومن هم بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين من الذكور لهم مكان مخصص، ومن هم فوق الرابعة والعشرين لهم مكان آخر، كما أن هناك تنظيماً آخر بخصوص النساء يراعي السن ونوع الجريمة ومن هن دون الثلاثين يرسلن لمؤسسة رعاية الفتيات التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، كما أن نوع القضايا لها دور في تحديد مكان السجين، وهناك تصنيف حسب الجريمة وخطورتها وتكرار ارتكابها ومدة العقوبة، فعلى سبيل المثال لا يوضع من تهمته السرقة مع مروجي المخدرات.

أما تساؤل الكاتب «هل يزور القضاة السجون لمعرفة كيف يقضي المحكومون عقوباتهم؟ وهل يمكن للقضاة دراسة الأوضاع في السجون لا فقط دراسة القضايا؟» فهو سؤال يجيب عليه القرار الوزاري الصادر قبل ثلاثين عاما وبالتحديد في 22/9/1398هـ وتضمن قيام الحاكم الإداري أو مساعده ورئيس المحكمة الشرعية أو من ينيبه من القضاة ومدير الشرطة أو مساعده بالتفتيش على السجون ثم الحق فيما بعد قيام هيئة التحقيق والادعاء العام بزيارة السجون، ولهذا فلو اطلع الكاتب على حقيقة الأمر لأدرك أن من صلاحيات القضاة الاطلاع على أوضاع السجون وأحوال السجناء فيها.

وبخصوص ما أشار إليه الكاتب عن منح النزلاء فرص التعليم والتدريب فهذا أمر يعرفه الجميع، وكثير من السجناء أتموا دراساتهم وتعلموا مهناً تعينهم في تعديل مسار حياتهم، كما أن هناك لجاناً ترعى السجناء من النواحي الاجتماعية وتتابع وضع أسرهم، كما وضعت ضوابط لتعديل سلوك السجناء تتيح لهم في حال تطبيقهم لها تخفيف العقوبات عنهم. إن من المؤسف أن أصبح القضاء من الأمور التي يستسهل كثيرٌ من الكتاب مناقشتها والتدخل في مسارها دون إدراك أهمية القضاء وأنه يجب أن يكون مستقلا بعيدا عن المؤثرات، وفي حين نرى البعض من الكتاب يبدون إعجابهم باستقلال القضاء في بعض الدول الغربية، ويعدونه جزءاً من أسباب تقدم تلك الدول، نرى هؤلاء أنفسهم يوجهون اللوم للقضاء بل ويسعون لرسم مساره مهما بعدت تخصصاتهم عن مجالات القضاء.. والله الهادي إلى سواء السبيل،،