الصداقة والعداوة شعرا

TT

> تعقيبا على مقال سمير عطا الله «ما غرنا دجلة والفرات والنيل»، المنشور بتاريخ 24 يوليو (تموز) الحالي، أقول لا أدري إن كان المتنبي ينتقي ألفاظه أم هي التي تنتقيه، رائد المباني وصائد المعاني، تفنن في صياغة أعمق الحكم في أعذبِ الشعر. لقد أطلق بيتا واحدا سرى بين الناس مثلا سائرا، قال فيه: «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى / عدوا له ما من صداقته بد». إلا أن الروايات تذكر أن أحد قضاة مصر حين سمع هذا البيت، خطأ المتنبي في كلمة واحدة؛ حين غيرها قوي معناها وازداد جمالا. قال ذلك المصري البيت على هذا الشكل: «ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى / عدوا له ما من مداراته بد». فلما قدم المتنبي مصر، أخبر بالتصحيح فاستحسنه. نعم، الكبير يبقى كبيرا حتى حين يخطئ، وهذا ما يجعلنا نثق بجل ما يقول ويفعل. عودة سريعة إلى البيت السابق وتصحيحه، حيث نسلم للمتنبي بجمال الطباق بين الصداقة والعداوة في شطرِ بيت، إلا أن المداراة بتكلفها ليست كالصداقة بتلقائيتها، لأنها تصف بدقة الحالة الشعورية داخل من يتعامل قسرا مع عدو له. فليتعلمِ المبدعون كيف يزيدون من رصيد مصداقيتهم بمقدار اقترابهم من الحق، ولا يكن إبداعهم مهما علا قدرهم مقدسا لا يقبل النقد الخفي. عبد العزيز الزهراني ـ مكة المكرمة [email protected]