رسالة إلى المحرر: 100 ألف ضحية خلفها «الصقيع العربي»

سميرة الناتولي

TT

* الكل يتحدث عن التغيير في منطقتنا، وشاهدنا هذا التغيير في بعض دولنا. ولكن ما الذي خلفه هذا التغيير؟ أكثر من 100 ألف ضحية، علاوة على الجرحى والمبتورين والمعاقين. وما زلنا نراوح، لا، بل إن بلداننا الذي اجتاحها التغيير ترسف الآن في الفوضى والضياع.

من يستطيع قراءة المستقبل من خلال فوضى شعوبنا العطشى للحرية والديمقراطية؟ ومن جزم بأن حكوماتنا كانت صالحة وتسعى نحو تعزيز الأمن والاستقرار؟ من البطل ومن الشرير بحسب قدرة أطفالنا على التعبير؟

فجأة ومن دون سبق إصرار وترصد، بدأت الثورات العربية في ليلة وضحاها. لن أذهب إلى الماضي البعيد، بل سأعود بالذاكرة إلى سنوات قليلة مضت، وما شهده أهل غزة وأهل لبنان من عدوان إسرائيلي، وصور أشلاء الأطفال التي تجاوب لها العالم وأنزلت شعوب الغرب في مظاهرات كبيرة لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية.

حينها شعرت أنه لا بد لنا من الثورة، من القيام بعمل بطولي للتغيير. ولكن كل الساحات العربية رغم حزنها بقيت خجولة وغير قادرة على قلب المعادلة، ولم تستطع الضغط على حكوماتها. وفي 2010 استفقنا لنثور ضد الاستبداد مطالبين برحيل حكوماتنا وتغيير الأنظمة التي سميناها ديكتاتورية. ولكن السؤال: مَن، ولماذا، وكيف؟ من قرر ومن خطط؟ ولماذا في هذا التوقيت وبهذه الطريقة؟ وكيف نأتي بالبديل؟

تفرح النفس عند رؤية ثورة الشعب الغاضب، ولكن.. لكل ثورات التاريخ قادتها وعقولها وسياساتها ومنهجياتها.. من السهل أن نثور ونغير، ولكن، كيف يكون التغيير؟ من سيقبض بيد من حديد على مسار الأمور؟ وكل دولة فيها الكثير من التيارات السياسية والدينية، منها الصادق الراغب في بناء وطن حقيقي، ومنها الطامع التابع لأجندات معينة، وبعضها غير مدرك أنه لا يستطيع أن يلغي الآخر ويستبد بعقليته.

أين هي تونس اليوم، مثال «الربيع العربي» الأول وثورة «الياسمين»؟! ماذا نشم الآن من هذا الياسمين؟! وأين هي مصر؟ أين هو الشباب الجامح الداعي للإصلاح؟ وأين هي ليبيا الآن التي استطاع شبابها بدعم الأطلسي أن يقضي على حكم مستبد فرح معظم الليبيين، بل العرب بزواله؟.. ولكن! ما زالت هذه الدول الثلاث ترسف في فوضى الجماهير بأفكارها وتناقضاتها، وتعيش ثورة من دون سياسة وتخطيط. الخاسر دائما الشعب، ولكن من هو المستفيد؟

عندما اشتعلت شرارة الثورة في تونس وعندما صرخ الحاج أحمد الحفناوي والدموع في عينيه قائلا: «هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»، اعتقدنا ونحن بفطرتنا شعب ذو مشاعر جياشة أن النصر آتٍ، واغرورقت عيوننا بالدموع واقشعرت أجسادنا، ولكن ماذا تحقق؟ من انتقد الثورة لا يعني حشره في خانة السلطة، جميعنا نريد التغيير، وللثورة أصول ومبادئ، الثورة قمة في الفكر والتخطيط، الثورة دقيقة والتلاعب بقوانينها سيف ذو حدين. ماذا نسمي ما يحدث في سوريا اليوم؟ تغيير أم ثورة أم مخطط سياسي تدميري لكيان الشعب أم حملة إبادة جماعية يرتكبها أهل الوطن الواحد بعضهم بحق بعض؟ وأين هو الشعب السوري من كل ما يجري؟ هل سيتحرر من نظام الحكم الواحد، هل سيحصل على كرامة العيش من حقوق اجتماعية وتتحسن حالته المعيشية، ويشارك في بناء نظام الدولة مشاركة فعالة؟

في خضم هذه الفوضى العشوائية نسأل: إلى أين سوريا غدا؟ وهل دماء ضحايا الوطن بمختلف انتماءاتهم ستكتب سطور يوم جديد؟

لقد فقد العرب ما لا يقل عن 100 ألف من ضحايا «الربيع العربي»، ودخلت هذه الدول الذي اجتاحها هذا «الربيع» في دوامة الفوضى العارمة، ويحكمها الآن أناس لا يختلفون عن سابقيهم إلا بالتسمية. ويستمر مسلسل القتل والإقصاء والتهميش. وتستعرض الميليشيات فيه السلاح المتاح في كل مكان.

فهل ما نحن فيه «ربيع» أم «صقيع» يخترق عظامنا ويطبق على أنفاسنا؟!

* سيدي بوزيد - تونس