رسالة إلى المحرر: أنسنة الإنسان

كاتيا إدوار - لندن

TT

* أوطاننا العربية تنزف ومعها يتألم كثيرون من شعوبنا. المعاناة موجودة، كما أن القهر والاضطهاد يطالان كثيرين ممن يطالبون بالإصلاح، ومنهم ما يوصفون بالأقليات.

المنطقة العربية تهتز منذ أكثر من عامين منذرة بمزيد من الزلازل التي قد تطحن كل من فيها، وكل منا قلق على مصيره. وبما أن الضعيف يبقى دوما الوعاء الذي نصب فيه جام غضبنا، يترقب البعض منا كل حركة أو إيماءة أو كلمة تصدر عنه لكي لا يتهمه الآخر بما يحلو له وفق منظور خاص به، ومن منطلق إيمانه بغلبة القوي على الضعيف، وتقسيم الشعب الواحد طبقات هرمية تبدأ من القمة مع «أصحاب الحقوق» لترسو على «أصحاب الواجبات».

وأتطرق هنا إلى مراسم تنصيب البطريرك يوحنا العاشر اليازجي، وما تخللها من كلام أثار انتقادات وشكوك البعض بصدقية التعايش الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين. وتجدر الإشارة إلى ما صدر عن الكاردينال بشارة الراعي حيث قال: «كل ما يقال مما يسمى إصلاحات وديمقراطيات لا يساوي قطرة دم». لقد عبر الراعي عن قيمة حياة الإنسان التي لا تقدر بثمن بغض النظر عن طائفته ودينه وجنسه. ومن منطلق إنساني روحاني، ترفع عن كل الماديات الملموسة إيمانا منه بأن ما يسمى إصلاحات يَعدُ بها أصحاب السلطة، أو يطالب بها الشعب، لا تساوي قطرة دم إنسان، كما أن كل الديمقراطيات التي يتشدق بها من يتشبث بكرسي الحكم أو ينادي بها الثوار لا قيمة لها مقابل حياة الإنسان.

احتمل كلام الراعي تفسيرات فضفاضة ومختلفة، مما فتح المجال لانتقاده ودعوته إلى السكوت إن كان يطمح إلى تعايش حقيقي يقوم على «احترام الاختلاف». وهنا أيضا ألقي الضوء على هاتين الكلمتين «احترام الاختلاف»، وأود أن أفهم على أي مبدأ يرتكز هذا المنطق، إن لم يكن على ركائز المساواة وحرية التعبير؟ أما الخطأ الثاني الذي تخلل مراسم تنصيب البطريرك فهو الحديث عن أهمية الوجود المسيحي في الشرق دون الإشارة إلى أمر تعايشهم مع المسلمين في منطقة من العالم، يشكل المسلمون فيها نسبة تزيد على 90% من سكانها، وتعيش راهنا ما يُسمى صحوة إسلامية وفق ما عبر عنه البعض ممن انتقد البطريرك. وهذه حقيقة لا يمكن نفيها أو التقليل من شأن الغالبية المسلمة في عالمنا العربي، ودورها الفاعل على جميع الأصعدة، غير أن هذا لا يعطينا الحق بإلغاء حق أحد بالتعبير عن رأيه وإن كان هناك من يختلف معه.

ويبقى حوار الأديان، محاولات يائسة لا تتعدى الشكليات الحضارية، وسرعان ما يتحول إلى مناظرات سياسية كون السياسة والدين ملتصقين بعضهما ببعض في منطقتنا ويستحيل الفصل بينهما فهما كما الروح من الجسد.