رسالة إلى المحرر: ما هو ثمن سوريا الجديدة؟

TT

تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية، وليس في الأفق بصيص أمل لحل سلمي، فالحكومة تعمل بكل أجهزتها وقواها العسكرية على قمع المعارضة، والأخيرة تسعى للقضاء على النظام الذي عانت منه لسنين طوال.

لقد تولى الرئيس السوري السابق حافظ الأسد الحكم في مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي مدعوما من الجيش، ولقي بادئ الأمر تأييدا من الشعب بسبب الإصلاحات التي قام بها، ولكن ما فعله لم يكن كافيا لبناء دولة تحتضن شعبا حرا، وهو الذي أعيد انتخابه لمدى الحياة، وعند موته تسلم الابن مقاليد الحكم في أول نموذج توريث في جمهورية عربية معاصرة.

لم يطلب الشعب السوري عندما ثار قبل عامين إسقاط النظام، بل طالب بالإصلاحات. ونزل إلى الشوارع على مبدأ التظاهر السلمي، وهذا حق معترف به دوليا، أن تعارض وتعتصم وترفض، ضمن مفهوم الحفاظ على الأمن الوطني وعدم إدخال البلاد في دوامة حرب أهلية.

ولكن بالمقابل سارعت السلطات السورية إلى قمع المتظاهرين بقسوة، اعتقادا منها أن ما كان قائما مسبقا يصح قيامه اليوم. وهكذا تحولت المظاهرات المطالبة بحقوق الإنسان الأساسية البسيطة، ومنها حق التظاهر السلمي، وحق العمل والاختلاف السياسي وإلغاء القبضة الأمنية وإطلاق حرية الرأي والتعبير والحوار والمعارضة السلمية، كما هو متعارف عليه في أغلبية دول العالم، إلى ثورة، ثم حرب عشوائية عمت أغلبية الأراضي السورية وقضت على الآلاف من المواطنين ممن دعموا أو عارضوا هذا النظام.

بمفهوم النظام الحاكم أنه يستطيع من خلال سياساته القمعية التي اعتادها ولفترة طويلة، أن يواصل السيطرة بقبضة من حديد على الساحة السورية. وطبعا، لا يخفى أن هذا النظام بني على أساس سيطرة الحزب الواحد، وعمل على تحصينه وحمايته بأجهزة استخبارية قوية. واعتقد أن بقاءه رهن على قمع وإقصاء السوريين من حقوقهم، واستخدام جميع الوسائل الممكنة لغسل أدمغتهم، وبالفعل عمل على محاولة تدجين الشعب وتدمير الشخصية الإنسانية والقدرة للتغيير، وعكف على غرس سمات الاقتناع والطاعة لنظام الحكم القائم، من خلال الإعلام المبرمج والموجه، ونجح لسنوات وسنوات في تعزيز أمنه وبقائه، مطمئنا إلى اقتناع الشعب بأن أمنه رهن لاستمرار وصمود النظام. ولكن الحال اليوم اختلف والمشهد الآن أصبح جليا مع أن المعارضة أصبحت معارضات والجيش جيوشا، وكما يقال: «اختلط الحابل بالنابل» وأصبحت سوريا، والشعب السوري دون استثناء، عرضة للانهيار، فهل يستطيع النظام أن يذهب إلى طاولة حوار من أجل حل سلمي بعد كل المجازر التي ارتكبها؟ وهل تستطيع المعارضة بكل أطيافها أن تقبل بتسوية على أساس بقاء النظام وموافقته على إعطائهم جميع حقوقهم؟ هل تستطيع سوريا بعد سقوط تسعين ألف قتيل أن تقوم من جديد على أي شراكة بين السلطة والمعارضة؟ وأين مطالب الشعب السوري؟ الشيء الأكيد أنه من العدل أن تسعى سوريا إلى التغيير بعد حكم دام 42 سنة، ولكن ما هو الثمن الذي ستدفعه سوريا ومعها شعبها من أجل بناء سوريا ديمقراطية حرة مستقلة وموحدة؟

أمين صقر - القاهرة