رسالة إلى المحرر : التنمية المستدامة والأجندة الخضراء

رزان خليفة المبارك

TT

وفقا لتقرير «الكوكب الحي 2012»، تعيش البشرية كما لو كان تحت تصرفها موارد تماثل موارد كوكب ونصف الكوكب من حجم كوكب الأرض مما يعني أننا نستهلك موارد طبيعية مثل الطاقة، والغذاء، والألياف، والأخشاب بمعدل مرة ونصف المرة أسرع مما يمكن للكوكب تعويضه بصورة طبيعية. ويشكل النمو السكاني المطرد والتنوع الاقتصادي ضغوطا متزايدة على هذه الموارد، وأصبحنا نلمس الآثار المترتبة على الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية من خلال تغير المناخ وتلوث الهواء وتراجع منسوب المياه الجوفية.

لم تعد حاجتنا لتنمية مستدامة خيارا، بل أصبحت ضرورة لضمان استمرارية الحياة على كوكب الأرض. التنمية المستدامة هي عملية تطوير المجتمعات بحيث يتم استغلال الموارد لتلبية الاحتياجات الإنسانية من جهة النمو والتطور الاجتماعي والاقتصادي مع ضمان استمراريتها للأجيال القادمة عن طريق المحافظة على الموارد الطبيعية.

يعرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الاقتصاد (الأخضر) على أنه الاقتصاد الذي ينتج عنه تقدم الوضع الإنساني والعدالة الاجتماعية، بينما يتم تقليص المخاطر البيئية والندرة في الموارد الطبيعية عبر نقل المجالات التي تركز عليها الاستثمارات صوب القطاعات الخضراء الناشئة، وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة. أي أننا نضمن من خلال هذا الاقتصاد، تقليل نسبة انبعاثات الكربون، وإدارة أكثر كفاءة للموارد الطبيعية، ونهضة تشمل جميع أطياف المجتمع.

تعتمد المجتمعات في تطورها على ثلاثة محاور أساسية هي: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. لا يمكن أن ينهض أي من المحورين دون الثالث؛ وهذا ما يتطلبه تحقيق الاقتصاد الصديق للبيئة والتنمية المستدامة. لقد بدأت الكثير من الحكومات حول العالم بتبني مفهوم الاقتصاد الصديق للبيئة كطريقة مثلى لضمان اقتصاد قوي ومزدهر على المدى الطويل.

وتعد دول الخليج من بين أعلى الدول في معدلات الاستهلاك للفرد الواحد لمواردها الطبيعية، وخصوصا الطاقة والمياه، الأمر الذي يؤثر سلبا على البيئة محليا وعالميا عن طريق انبعاثات الكربون وزيادة نسبة الملوحة في الثروة البحرية. لذا أصبحت الحكومات أكثر حرصا على تبني اقتصاد صديق للبيئة وأدخلت «الأجندة الخضراء» في اعتباراتها التنموية لتساعدها على إدارة مواردها بكفاءة عالية تعود بالنفع على الاقتصاد والبيئة على حد سواء.

لكن يبقى السؤال: كيف السبيل لتحقيق تنمية مستدامة؟

أولا، تهيئة البنية التحتية وإعدادها بحيث تواكب سرعة التطور العمراني والصناعي في البلد وفي نفس الوقت توفر سبل الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي. فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن لدينا طريقة صحيحة للتخلص من النفايات الناتجة عن الإعمار، سنعرض صحراءنا لخطر تحولها إلى مكب غير صحي، وكذلك مياهنا الإقليمية لخطر التلوث، مما يشكل خطرا كبيرا على الحياة البحرية. إذن علينا أن نستثمر في البنية التحتية المناسبة والتي تساعدنا على جعل نمونا الاقتصادي صديقا للبيئة وتجنبنا تبعات سلبية على اقتصادنا وبيئتنا.

ثانيا، اعتماد أطر قانونية وتنظيمية قائمة على مبدأ الثواب والعقاب؛ فتكافئ من يدعمها ويلتزم بها، وتفرض عقوبات على من لا يحترمها ويعرقل عملية تحقيق التنمية المستدامة. وتقوم هذه القوانين بحماية الأعمال من منافسة غير عادلة، فعلى سبيل المثال، الشركة التي تبيع مياها جوفية بطريقة غير قانونية تستخدم موردا طبيعيا محدودا الكمية يعتمد عليه قطاع الزراعة، كما أنها تقوض جهود الدولة في المحافظة على المياه الجوفية. إدارة النفايات هي مثال آخر، فإذا كانت شركة مقاولات تستثمر أموالها في التخلص من النفايات الناتجة من عمليات البناء بطريقة صحيحة، بينما تقوم شركة أخرى في نفس القطاع برمي نفاياتها في الصحراء، فإذا لم تعاقب هذه الأخيرة سيكون لديها ميزة تنافسية على الأخرى لأنها وفرت من أموالها الخاصة. هنا يقوم التنظيم القانوني بحماية من يتبعه ويضمن المساواة بين جميع المؤسسات من خلال الشفافية في التعامل والحساب.

ثالثا، تأهيل كوادر محلية تكون الدافع لتحقيق النمو المستدام. قبل عامين، وقعت وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة مذكرة تفاهم مع المعهد العالمي للنمو الأخضر لتأسيس نواة تخطيط وبحث على أرض الدولة لتدفع عجلة الاقتصاد الصديق للبيئة. ومن المبادرات الأخرى المهمة في هذا المجال مبادرة «أبطال الإمارات» التي تشجع الشركات والمؤسسات من مختلف القطاعات على اتخاذ خطوات صارمة لكبح استهلاكها للطاقة وتفادي خطورة تناقصها. قامت بهذه المبادرة كل من جمعية الإمارات للحياة الفطرية بالاشتراك مع الصندوق العالمي لصون الطبيعة (EWS – WWF) وهيئة البيئة - أبوظبي ووثقت من قبل وزارة البيئة والمياه.

رابعا، ترسيخ مفهوم المسؤولية الجماعية في ما يتعلق ببناء مجتمع مستدام. ويتم تحقيق ذلك عن طريق نشر الوعي لأهمية التنمية المستدامة والتي تنعكس إيجابا ليس فقط على بيئتنا واقتصادنا، وإنما أيضا على مجتمعاتنا من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحقيق مكاسب اجتماعية. فهذه ليست مسؤولية جهة حكومية واحدة فقط. إذ لا بد من تضافر جهود وأفكار كل مؤسسات المجتمع الحكومي والخاص، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من أجل وضع الخطط والاستراتيجيات العملية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام ومجتمع مستدام.

أخيرا وليس آخرا، علينا كأفراد في المجتمع أن نعتمد أسلوب حياة قائما على الاستهلاك المستدام لمواردنا الطبيعية. يسهم نمط حياتنا في ارتفاع معدل استهلاك الفرد للمياه والطاقة، وأصبحنا اليوم أمام واقع يحتم علينا الحفاظ على بيئتنا التي هي حق للأجيال القادمة. فيمكننا أن ندخل بعض التعديلات على عاداتنا اليومية وهي خطوات بسيطة وغير مكلفة نستطيع أن نتخذها لتوفير المال الذي يمكن استثماره في أمور أخرى. خطوات مثل تعديل درجة حرارة المكيف حتى لا نحرق طاقة إضافية، وإطفاء الأنوار خلال ساعات النهار والاستفادة من نور الشمس بدلا منها، وإطفاء شاشات الحاسب الآلي والتلفزيون خلال الليل وفي الأوقات التي لا تستخدم فيها، وتركيب أجهزة تحكم بقوة دفع المياه في الصنابير. كما نستطيع الاستفادة من أهم النعم لدينا في دول الخليج وهي أشعة الشمس الموجودة معظم أيام السنة عن طريق استخدام سخانات مياه تعمل على الطاقة الشمسية.

إن الأجيال القادمة ستحاسبنا يوما على ما فعلناه أو لم نفعله لنحافظ على هذا الكوكب، لهذا علينا أن نبدأ العمل الآن لتحقيق تنمية مستدامة حتى نثبت لهم أن بيئتهم ومستقبلهم كانا بأيد أمينة.

* الأمين العام لهيئة البيئة - أبوظبي