رسالة إلى المحرر: الفساد.. بين النظرية والتطبيق

TT

التربية المدنية هي البرامج التي تعرّف بالقواعد الأساسية ومقوّمات المؤسسات في النظام السياسي الديمقراطي، وهي الوسيلة التي تشيع المعرفة بالحقوق والممارسات الديمقراطية كفهم الحقوق الدستورية والعدالة الاجتماعية، واحترام الرأي الآخر في إطار القانون، والعمل الجماعي. وفي المقابل، يتمكّن المواطنون، بفضل توسيع معرفتهم بحقوقهم وواجباتهم ومسؤولياتهم والتقنيات المعتمدة في تنظيم المجتمع المدني. هذا هو التعريف بالتربية المدنيّة، وهي بالتالي تعتبر من أساسيات المواد التي تدرس في عدد من الدول العربيّة. ولكننا اليوم نسمع كلاما كثيرا ونقرأ أكثر في صحف بعض الدول العربية مزاعم وتهما عن فساد مستشر، ما يعني إذا صدقت هذه التهم، أن في الكثير من مجتمعاتنا لا تنطبق النظريات على الواقع ولا تدخل ضمن منظومة الحياة اليوميّة. أو أننا بتنا نستسهل إطلاق التهم من دون إثباتات لدرجة تسخيف الفساد نفسه، وإتاحة الفرصة للفاسدين للادعاء بأنهم ضحايا.

لا شك أن الفساد آفة لا يستهان بها في مجتمعاتنا، وأنواعه كثيرة: ابتداء من فساد الطالب، وفساد العامل، وفساد الموظف.. إلى فساد بعض أولئك الذين هم في السلطة. ولكن من الضروري التعامل مع هذا الموضوع بوعي وإنصاف كي لا نضيع الطريق، فنرخّص ما هو في الحقيقة ظاهرة خطيرة تهدّد كل مستويات المجتمع، من دون أن ننجح في قطع دابرها.

من جهة أخرى، هناك من يقول إن للفساد تعريفات ووجهات نظر، وقد لا يرى الفاسد نفسه فاسدا، لكنه مع ذلك ينتقد فساد الآخرين ويسعى إلى تحقيق مفهوم خاص به للفساد يتماشى وطبيعته، وهو في ذلك لا يحاول تبرير نفسه بل يقوم بردود فعل طبيعيّة لما عايشه خلال نشأته. ولهذا السبب نجد أن ما ترفضه فئة معيّنة من الناس تمارسه أخرى بقناعة والعكس تماما يجوز.

وهكذا، بما أن الفساد في بعض مجتمعاتنا ما عاد مسألة طارئة بل صار نمط حياة، فإن معالجته يجب أن تبدأ من نقطتي الانطلاق، الأولى هي التنشئة البيتية، والثانية هي الحكومات المسؤولة والقادرة.

إن كتب التربية المدنيّة وحدها لن تتمكن من تعليم مواطنيها أصول السلوك السّليم مع المجتمع والبيئة، ولا بد من ورشة عمل كبيرة تقوم على التعليم والإرشاد، ثم المحاسبة.

عادل حسن - باريس