العربي ومعضلة الكتاب

ندى حداد

TT

خطر لي هذا عندما قرأت عن افتتاح معرض الكتاب في العاصمة السعودية الرياض، ولكم وددت لو يكون في كل مدينة عربية معرض للكتاب. أو لم تكن أول كلمة كلمات الوحي «اقرأ»؟

إن أحدث الإحصاءات تفيد بأن الإنسان الأوروبي يقرأ ما معدله 35 كتابا في السنة بينما كل 80 شخصا عربيّا يقرأون كتابا واحدا في السنة. أي أننا بحاجة إلى 2800 شخص عربي سنويا لقراءة 35 كتابا. ولكن المشكلة لا تقتصر على الكم، بل تتعلّق أيضا بالكيف. ذلك أن اللافت أيضا أن أكثر الكتب مبيعا في العالم العربي هي كتب الدين والطّبخ والأبراج، أي التنجيم.

في المقابل يعتبر الكتاب في المنهج التعليمي الأوروبي الحجر الأساسي الذي تبنى عليه شخصية التلميذ، ومنذ العام الأول للدراسة يبدأ بتصفّح كتيب يتألف من بضع صفحات مصوّرة برسوم وشخصيات تلازمه لسنة كاملة. وهو يحاول من خلالها خلق قصة تتناسب والصورة. وبذا تكون محاولاته الأولى في الإبداع وإعمال خياله واختلاق الأحداث بحسب ما يتناسب ورؤيته للصور. وهنا تبدأ أولى عمليات الاكتشاف والتعرف، ويبدأ العقل بالعمل قبل أن تبدأ اليد بتعلّم التقاط القلم ورسم الحرف.

في سنوات التعليم الأولى للتلميذ تنشأ علاقة صداقة بينه وبين الكتاب، وهذا أمر في غاية الأهمية، وتخصّص المدارس ساعة للقراءة يوميا، يختار التلميذ الكتاب الذي يريد من مكتبة المدرسة، وكلّما أنهى واحدا اختار الآخر، وهكذا ينشأ الطفل على حب الكتاب وتصبح القراءة عادة مكتسبة منذ الصغر كحاجة يوميّة مثل المأكل والمشرب.

ولمن يعيش في أوروبا أو يزورها، فإنه يلاحظ عند استخدامه المترو أو الحافلات، أو أي وسيلة نقل عام أو لدى ذهابه لاحتساء القهوة في أي مقهى، ظاهرة القراءة منتشرة حيثما سار وتوجّه، بغض النظر عن عنوان أو أهمية الكتاب أو المجلة أو الصحيفة. وإن حاولنا مقارنة هذا المشهد بأي مشهد في الشارع العربي، مع الأسف، نجد أنه قلما نشاهد كتابا في مختلف المدن العربية، إلا في فترة الامتحانات الجامعية والمدرسية. ولا يروج الكتاب إلا في فئة صغيرة جدا نعرفها بالفئة المثقّفة. وبالتالي تبقى هذه الفئة القليلة غير قادرة على جذب الشباب العربي ودفعه للقراءة.

لقد ذهبت يوما إلى مكتبة في مدينة لندن، لشراء بعض الكتب ولم تكن تلك المرّة الأولى التي أزور فيها المكتبة، ولكن لفت انتباهي أنني في كلّ زيارة تقريبا أكون وحيدة، وفي كل مرّة أتصفح الكثير من الكتب، وبالفعل تستطيع أن تجد كتبا مهمة. وعندما سألت المسؤول عن نسبة المشتريات ومعدل إقبال القارئ العربي قال: إن النسبة انخفضت بشكل واضح، وإن 6 مكتبات عربية في لندن أغلقت أبوابها، وتابع: إن دارا واحدة وبعض المحال التي تبيع الحلويات ومختلف منتجات المأكولات العربية تجد عندها عددا من الرفوف تكدس عليها بعض الكتب. وعن عناوين الكتب التي يرغب القارئ في شرائها أجاب أن الطلب الأكبر في سوق لندن يتركز على الكتب السياسيّة الممنوعة في السوق العربية والكتب الدينيّة التي تدرّس الدّين بمنظور جديد ومختلف عن الأسلوب الكلاسيكي القديم، أو التي تدور مواضيعها حول تاريخ القرآن الكريم والإسلام، كذلك هناك إقبال على كتب الطبخ.

وبعدها خطر لي أنه من المؤسف أن تفتقر حياتنا اليوميّة للقراءة، وهذا مع أننا نعتز بكوننا رواد الحرف ومنبع حضارة أدبية وفكرية وعلمية عريقة امتدت ذات يوم من أوروبا الغربية إلى حدود الصين، لكننا نجلس اليوم في الصفوف الخلفية، نشاهد تطور العصر ولا نشارك في التغيير ووضع بصمات العالم العربي في كتاب الحياة اليومية.a