آيديولوجية «قاهر» والتوتر الإقليمي

TT

«قاهر»، هي الطائرة الإيرانية المقاتلة «الشبح» التي تم الإعلان عنها حديثا في فبراير (شباط) لهذا العام، والتي قيل إنها كانت مجرد مجسم للعرض وإبهار العالم عن طريق الإعلام. يبدو أن إيران أصبحت رائدة في مسار الإعلام الذي اتخذته أميركا في منتصف القرن العشرين. فهل سلمت أميركا منهج الإعلام الذي كان في الأرشيف السري في مكتبة الكونغرس إلى وزارة الإعلام الإيرانية لكي يطوروا من إعلامهم، المنغلق على نفسه داخليا، والمتهشم خارجيا. ففي الخريطة الجديدة لحريات الإعلام التي أعلنت عنها منظمة «مراسلون بلا حدود»، خيم اللون الأسود على خريطة إيران الذي يعبر عن «خطورة الوضع». فإن كانت الطائرة المقاتلة حقيقية وليست مصنوعة من مادة البلاستيك «المعاد تدويره»، فما هي إلا مؤشر لانعدام مفهوم السلام في الإقليم.

التوتر الذي يكمن في إقليم الشرق الأوسط بسبب المهاترات السياسية بين المثلث، الذي لا نعلم إن كان مثلثا متعاونا أم مثلثا يمثل آيديولوجيا حقيقية لدياناته الثلاث - كما ذكر مؤلف كتاب «التحالف الغادر» تريتا بارسي بين أميركا، وإيران، وإسرائيل. فهو في باطن حقيقته متعاون، ولكل مبادرة تعاون من أي فيهم، نابعة لأسباب جغرافية سياسية أكثر منها أسبابا آيديولوجية. حتى أصبح التأثير والتشويش على سلام المنطقة من الصالح العام لأطماع «جغرافية» و«بترولية»، إلى أن تأثرت الجذور العقائدية في إقليم الشرق الأوسط من ذاك التحالف أو المجسم الكبير، فتولدت الفتن في الأمم التي ليس «لها أو عليها».

التوتر أحدث فجوة في الفكر العربي وفجوة في التعايش السلمي في مناطق الشرق الأوسط، حتى تهمشت، وانهدمت الثقة بالمؤسسات العربية حتى ظن الكثير من أبناء هذه الأمة أن ما يحدث الآن في العراق وسوريا وغيرهما ما هو إلا حروب طائفية.

فما هذه إلا نظرة واقعية، ولكنها نظرة قصيرة الأمد أحدثها التعاون الكبير لتكون كاملة ومتكاملة لتتربع في عقل كل عربي مسلم حتى تتحول من فكرة إلى اعتقاد، ثم يسهل تقسيم المنطقة جغرافيا وآيديولوجيا.

هذه الأزمات نتيجة الحراك السياسي الدولي لن تنتهي ببساطة، ولن يسحب يده كل من يشارك في تدمير هذا الإقليم لتقسيمه، ولن يأتي زمان تتوقف فيه الأطراف المشاركة من نفسها، بل نحتاج إلى ثورة فكرية لتغير الخمول إلى صحوة، تستبدل تراكمات التاريخ السياسي المزيف، إلى حقائق للتخلص من التبعية الفكرية، لتستعيد الحياة العربية طاقتها وسلامها.