خدمات نظام صدام للمخططات الغربية

TT

لا غرابة عند العارفين بثوابت الأمة والدارسين لتاريخها والمتابعين لأحداثها أن تأتي ممارسات نظام الرئيس العراقي صدام حسين في مقدمة الشواهد القائمة على مدى ما تقدمه الأنظمة المنسلخة عن الهوية الإسلامية في الوطن العربي من خدمات للمصالح الغربية والأمن الإسرائيلي وبما تلحقه من أضرار بمقدرات الشعوب ومصالح الأمة واقعاً وتاريخاً، وهي مهام لا تستطيع الدول الغربية وحدها إنجازها في المنطقة العربية لو لم تزرع هذا النظام على رأس السلطة في العراق، وباستعراض أهم ممارساته ومواقفه يتبين حجم الدور التخريبي الذي يلعبه في المنطقة العربية لخدمة المصالح الغربية، وهي ممارسات وأدوار ومواقف شهودها أحياء لا يحتاج إثباتها نبش قبور أموات أو دراسة مخطوطات، وإنما هي أحداث عايشها الجيل العربي المعاصر. ففي المجال الداخلي كان العراق في العهد الملكي يمثل طليعة دول المنطقة في الديمقراطية والتمازج الطائفي والتعايش القومي والتفوق في برامج التعليم والاقتصاد. وبفعل الانقلابات العسكرية التي كان في البدء للبعث فيها دور الشريك بالتحريض والتخريب، أصبح انهيار الأمن والاقتصاد وتسلط حكم الفرد أهم ظواهر السياسة الداخلية في العراق، وبتولي نظام صدام كامل مقاليد السلطة أكمل تدمير البنية الأساسية للإنسان العراقي، بحشو مناهج التعليم بالشعارات البعثية وتفجير النزاعات القومية والطائفية والفئوية وتهجير القدرات العلمية والنضالية وابتداع سياسة الأرض المحروقة بالتدوير السكاني للمناطق الشيعية وتجفيفها والإبادة الجماعية لقرى ومناطق الأكراد وإفراغ الفئة السنية من ثوابتها وإحلال فئة من البعث مكان الشعب وصدام الفرد محل الحكومة لتحييد العراق أرضاً وشعباً للحيلولة دون استفادته من ثروته ودعم نضال أمته ضد العدو الإسرائيلي. ثم تأتي مواقف وأدوار نظام صدام على الأصعدة العربية والإسلامية تجاه إسرائيل والقوى الداعمة لها امتداداً لممارساته الداخلية، فيوم قامت إسرائيل بإحراق المسجد الأقصى عام 1969م وحدثت ثورة الغضب الإسلامي وبادر الملك فيصل رحمه اللّه بالدعوة لعقد قمة إسلامية لردع اسرائيل والقوى المساعدة لها، وذلك لحماية المقدسات من العبث الصهيوني ودعم القوى المجاهدة لتحرير الأرض العربية المحتلة، سعى نظام البعث في العراق بكل إمكانياته لإفشال القمة وامتنع عن دفع حصته من المساعدات المقررة لدول المواجهة واكتفى بترديد الشعارات الفارغة. وفي عام 1973م قام الملك فيصل رحمه اللّه بقيادة المعركة السياسية والاقتصادية لدعم مصر وسورية في حرب التحرير، وتم حظر تصدير البترول العربي للضغط على الدول الغربية لإيقاف دعمها لإسرائيل وتجاوبت كل الدول العربية مع قرار الحظر ما عدا العراق الذي اعتذر بحجة واهية لإمداد الغرب بينما كانت شعاراته الكاذبة قبل المعركة وجوب استعمال سلاح البترول لتحرير فلسطين. وعند قيام أنور السادات رحمه اللّه بزيارة إسرائيل ودعوة دول المواجهة ومنظمة التحرير الى مشاركته في التفاوض مع اسرائيل على السلام مقابل الأرض للحيلولة دون تهويدها قام نظام صدام في العراق بالدعوة لعقد قمة مقاطعة مصر ونقل الجامعة العربية منها لحرمان المفاوض العربي من الثقل الإقليمي والعالمي لجمهورية مصر العربية بهدف إعطاء اسرائيل فرصة الوقت لبناء المستعمرات لتهويد الأرض. وعندما قامت الثورة في إيران وعرف الغرب بتوجهاتها الداعمة لتحرير فلسطين وبثقلها الذي يعوض العرب عما فقدوه بمقاطعة مصر، بادر نظام صدام بشن أكبر حرب عرفتها المنطقة وذلك ضد الثورة بقصد اجهاضها واستنزاف ثروات بلادها وعمد إلى توريط دول الخليج في هذه الحرب بأموالها لتأجيج العداوة في ما بين الدول الإسلامية، ولصرف أموال النفط الخليجية عن التنمية الداخلية والمساعدة للدول العربية والمنظمات الإسلامية إلى خزائن الدول الغربية مقابل الأسلحة ومتطلبات الدعم لحربه الظالمة ضد إيران، مما أفقد الدول الإسلامية قوى بشرية قادرة على تحرير الأرض العربية وأموالا طائلة تكفي لمتطلبات تنمية الدول الإسلامية مجتمعة.