وجاء سبتمبر

شهر المحن والكوارث الفلسطينية

TT

الذي يقلب صفحات كتاب تاريخ فلسطين لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لا بد له أن يتوقف متعجباً وحائراً، إزاء ظاهرة شهر سبتمبر (أيلول) الذي تخصص في أن يكون شهر (العكننة) والمحن الممزوجة بالمآسي الدامية للفلسطينيين من دون الآخرين من خلق اللّه.

وقد رأيت أن أكتب اليوم عن بعض أحداث هذه السبتمبريات القديمة والحديثة لأثبت فيها أنه فعلاً شهر النحس والمآسي، ولنسأل ترى ماذا يخفي لنا سبتمبر هذا العام؟ تقول كتب التاريخ إن أول عملية اغتيال إسرائيلية لمسؤول دولي وقعت في سبتمبر من عام 1948م، وذلك عندما قتل الكونت فولك برنادوت برصاصات غادرة من قبل منظمة إرهابية إسرائيلية. وكان قبيل مصرعه قد عين من قبل الأمم المتحدة وسيطاً دولياً في فلسطين. وفي سبتمبر من عام 1967م كانت لاءات الخرطوم الثلاث التي جاءت لتخفف بعضاً من آلام العرب بعد هزيمتهم في حرب يونيو (حزيران) من العام نفسه.

تقول بعض صفحات من تاريخ فلسطين، إن سبتمبر من عام 1970م شهد أحداثاً دامية واعتبر أغبر وأسود شهر يمر على الفلسطينيين في سنوات السبعينات، لذلك لم يكن غريباً أن يطلق عليه (أيلول الأسود) الذي كان من نتائج أحداثه ترحيل وتشتيت الفلسطينيين من مناطق تمركزهم داخل المدن الأردنية إلى مناطق متفرقة وبعيدة وابعاد جزء كبير منهم للخارج بعد تجريدهم من سلاحهم وعتادهم. لكن هناك ومع الأسف الشديد في الشهر نفسه وأثناء مباحثات القادة العرب في حل معضلة (أيلول الأسود) توفي جمال عبد الناصر، قبل أن ينتهي هذا الشهر بثلاثة أيام! تقول كتب التاريخ أيضاً، إنه لم يمض على احداث الأردن إلاّ عامان حتى فوجئ العالم وهو يتابع مسابقات أولمبياد ميونيخ في ألمانيا في سبتمبر من عام 1972 بأخبار المجموعة الفدائية الفلسطينية التي تسللت سراً وقامت باحتلال مقر سكن أعضاء الفريق الإسرائيلي الرياضي واحتجزتهم كرهائن. وهي الحادثة التي ما زالت حتى اليوم تبثها محطات التلفزة الألمانية كلما جاء شهر سبتمبر لتذكر الناس «بالإرهاب العربي». لكنها من ناحية أخرى هي الحادثة التي فرضت فلسطين بالقوة على الساحة السياسية في ذلك الوقت وهي الحادثة التي خلفت أيضاً أحداثاً فلسطينية كبيرة، حيث برزت ولأول مرة بعدها حوادث اختطاف الطائرات الإسرائيلية ونسفها واغتيالات لفلسطينيين ورموز عربية من الطرف الآخر. وتقول أحداث سبتمبر من عام 1982م، إنه وبعد ان لقي بشير الجميل رئيس جمهورية لبنان في ذلك الوقت، مصرعه من جراء نسف المقر الذي كان مجتمعاً فيه مع أعضاء حكومته سارعت على الفور إسرائيل لاستغلال الفرصة من عملية اغتياله فحركت على الفور قواتها الكبيرة نحو بيروت الغربية بحجة حفظ النظام! وقامت بحصار محكم لمخيمي صبرا وشاتيلا، ونفذت فيهما جرائم ومجازر النازية الجديدة التي راح ضحيتها نحو 2500 من المدنيين العزّل الذين أغلبهم من النساء والشيوخ. وهناك بعض المفارقات التي يخلفها شهر سبتمبر أحياناً ليبدو مكانه شهرا (خفيف الظل) على الفلسطينيين كما حدث في سبتمبر عام 1993م، حيث تصافح العدوان اللدودان عرفات ورابين بحضور الرئيس الأميركي كلينتون في البيت الابيض ورحبا معاً بما سمي بـ«اتفاق السلام» الذي جاء بعد توقيع الطرفين عليه على مضض وهي الاتفاقية التي لا يتذكرها الناس ولا يعرفون محتواها ويتذكرون فقط انها اتفاقية وقعت في سبتمبر الأسود. وجاء سبتمبر من عام 1997م، الذي تلقت فيه القوات الاسرائيلية في جنوب لبنان ضربة موجعة أودت بحياة 12 قتيلاً وذلك عندما وقعت في كمين قرب بلدة «انصارية» وهي الحادثة التي أحالت جنوب لبنان وطوال شهر سبتمبر إلى قطعة من جهنم من جراء القصف ما بين الطرفين.