ماذا بعد الانتفاضة؟

TT

ان ما تشهده الاراضي العربية المحتلة اليوم من مجازر، حمامات دم، وارتال من الشهداء، يودعون عالمنا الفاني هذا كل يوم الى عالم الخلود والشهادة، وهم يحملون في يمناهم غصن زيتون ما فتئ اخضر رغما عن النيران التي اوقد جذوتها التتار الجدد، دلالة على الاستمرارية والاصرار ويحملون في اليسرى حجراً دلالة على الرفض وعدم الاستسلام، ما نراه اليوم كان متوقعا لكل من يجيد قراءة التاريخ، ولكل عارف بنفسية اليهود من بني قريظة وحتى شارون وما عليه من تعقيد وخبث. بغض النظر عما ورد عنهم في القرآن من نصوص واضحة فاضحة تؤكد ما ذهبوا اليه اليوم فبين ظهرانينا علمانيون ومطبعون وحسنو النيات لا يجيدون تفسير نصوص الكتب المقدسة.

الكل اليوم ينظر الى ما قد تسفر عنه المواجهات الجارية سواء كانت على الصعيد العسكري او الديبلوماسي، وفي كل الاحوال فإن المعركة قد نشبت والنيات المبيتة قد وضحت، وسرعان ما تضع المعركة اوزارها. وسيكون فيها هازم ومهزوم وبالتأكيد فالخسارة من جانب الطرفين ستكون فادحة وقد تعود بالمنطقة الى العصور الوسطى، لكن هذا هو الطريق الذي اختاروه وما زرعوه يحصدونه اليوم فليكن وما شاء الله فعل.. لكن العاقل اليوم يجب ان يضع نصب عينيه سؤالاً مهماً، وماذا بعد المعركة؟ وكيف سيكون الحال؟ وهذا ما لا نتمتع به نحن كعرب. فنحن آنيون، نعيش اللحظة نعايشها ننفعل بها ونتفاعل معها وقد ننتصر في معركة كما حدث في اكتوبر، لكن سرعان ما تهزنا تداعيات الانتصار لاننا لم نحسب لها حساباً.

ان الوقفة الموحدة التي تعتمر الشارع العربي من مشرقه الى مغربه والتي اجبرت الكثيرين على ان يخلعوا جلابيبهم القديمة ويلتحفوا عباءة الانتفاضة، ليست بالأمر البسيط، خاصة انها جاءت في عز مرحلة من التشرذم والانحطاط والفتن والحروب.. اكلت من المواطن العربي والقضية العربية اكثر مما اكلت حرب البسوس سنين كثيرة وأزهقت ارواحاً.. ودمرت اقتصاداً وشقت صفاً وشتتت كلمة.

كل هذا لم يكن قد اتى من فراغ فلقد اعد له وبمنتهى الدقة في مطابخ المخابرات الاميركية والاسرائيلية. اعد له باتقان وتم تنفيذه بنجاح اذهل واضعيه ومنفذيه.

لكن حسابات الكومبيوتر دائما ما تخطئ في النتائج النهائية، خاصة عندما تكون معطياتها ومعادلاتها لها علاقة بالتركيب الانساني والاحاسيس البشرية والواعز الروحي وخلافه فلقد اندهش واضعو نظرية فرق تسد مما يرون اليوم خاصة، انهم بعد نجاحهم في شق الصف العربي استطاعوا تدجين بعض القادة العرب وتركيع البعض الآخر. وظنوا بهذا ان مقاليد الامور قد آلت اليهم. واذا بهم يفاجأون اليوم بهبة الشعب العربي الذي ظنوا انه قد مات موتا معمليا على الاقل لعدة عقود قادمة، ولم يحسبوا له حسابا في معادلتهم الجديدة وبدأ مسلسل الهرولة العكسية. كوهين يجتمع بوزراء دفاع حلف الاطلسي لاحتواء الموقف، اولبرايت في رحلات مكوكية، كوفي عنان يسافر بين بيروت وتل ابيب عدة رحلات يوميا، هرج ومرج، تهديد ووعيد، رجوع عن التهديدات ووعود، كل هذا وما سيلي يوضح بجلاء تلك الربكة التي احدثها هذا الشعب المعلم داخل اروقة الساسة العالميين ومطابخ الاستخبارات الدولية.

هذه الهبة التي حركها الدم المراق في ازقة فلسطين اليوم، لان الدم واحد والجرح واحد، في الكويت وبغداد والخرطوم ونواكشوط وهذا ما لم يستطع كومبيوتر C.I.A فهمه.

وبحجم اندهاشتهم اليوم فإن مخططهم لما بعد الحرب سيكون اكثر خبثا واشد عداوة واكثر تعقيدا، ولان اسرائيل التي زرعوها هي شتلة خبيثة لا تنمو الا في ظروف بيئية خبيثة، فإن بقاءها محكوم بنجاحهم في توفير هذه الظروف الخبيثة لها حتى تستمر في البقاء. وهي ان تظل المنطقة مشتعلة والفتن مستمرة والاشقاء متخاصمين. ولسان حالهم يقول: (رب اشغل اعدائي بأنفسهم وعجل بالنصر وبالفرج).

لهذا فعلى قادة الامة ومفكريها وساستها ان يرتقوا الى درجة وعي شعبهم وان يعدوا العدة ومنذ اليوم لما بعد المعركة وان يدفنوا خلافاتهم فكلنا في الهم شرق يا دمشق وان يجنبوا انفسهم صغائر الامور ويقرأوا ما بين السطور. والحذر، واليقظة والاستعداد.