الملفات الساخنة كانت وراء استقالة الرئيس السويسري

TT

تعقيباً على ما نشر أخيرا في «الشرق الأوسط» حول استقالة الرئيس السويسري لي التعليق التالي:

قدم منذ أيام أدولف أقى رئيس الكونفدرالية (الاتحادية) السويسرية ووزير الدفاع والرياضة، استقالته من دون إشعار مسبق. لأن العادة جرت في سويسرا أن الرؤساء يستقيلون، لكن بعد إشعار مسبق مقدم منذ أشهر أو سنة على الأكثر، ويبدو أن أدولف أقى أراد أن يلوي عنق حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي من أجل مسائل جوهرية في نظر معارضيه، حيث أن الملفات الساخنة اليوم في الشارع السويسري أربعة:

1 ـ قضية الأجانب (هل يمكن فتح الباب على مصراعيه للأجانب)، حيث صوت منذ أسابيع على قبول نسبة الأجانب %18، لكن بمعارضة بلغت أكثر من %43 ويعتبر نجاحاً محتشماً جداً في نظر كل المحللين.

2 ـ دخول سويسرا في «المنظومة الأوروبية» وهذا ما يعارضه الكثير من أرباب الأعمال إذ يعني فتح الحدود خرقا صارخا للعقلية المحافظة للسويسريين. فهم لا يقبلون أن تكون بلادهم الصغيرة الحجم «معبرا» لكل النفايات الأوروبية على حد قول أحد النواب المحافظين.

3 ـ الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة، إذ ما زالت سويسرا التي تحتضن مقر الأمم المتحدة بجنيف عضواً زائراً شرفياً تماماً كالفاتيكان في الأمم المتحدة.

ويمتاز أدولف أقى (من سويسرا الألمانية) بمعرفة عميقة بالملفات وله قوة إقناع عالية جدا ويتقن العديد من اللغات، إضافة إلى اللغات الوطنية الأربع المتداولة في سويسرا وهي: الألمانية (%75)، الفرنسية (%20)، الإيطالية (%4)، والرومنتشية (%1).

4 ـ أما المسألة التي يبدو أنها أفاضت الكأس، فهي رفض الشعب السويسري في استفتاء أجري منذ أيام فقط، للسياسة العسكرية التي ينوي تطبيقها السيد أقى التي يطلب بموجبها موافقة شعبه لتدعيم الجيش بدبابات صغيرة الحجم، لكن متعددة المهام وهي من أعلى ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، فالشعب رأى أن هذه الدبابات باهظة الثمن من جهة، ومن جهة ثانية فستبقى ديكورا إن لم ترسل كالعادة للخارج لفضّ النزاعات بين الدول، كما عبر عن ذلك أحد البرلمانيين المعارضين لهذه السياسة والداعين لسياسة التقشف العسكرية لأن في نظرهم سويسرا «دولة محايدة، لا تحارب ولا تحارب».

هذه هي إرادة الشعوب التي تحترم ولا تقهر، ويحق لها أن تتدخل في شؤون بلدانها حتى العسكرية، هذا الميدان الذي يعد في الكثير من دولنا العربية حكراً على بعض مصاصي دماء شعوبها، وليتأمل معي القارئ الكريم بالنظر لموقع سويسرا في قلب أوروبا وشعبها الذي هو خليط من الشعوب (ألماني ـ فرنسي ـ إيطالي ـ ورومنتشي)، إضافة إلى الأجانب المتعددي الجنسيات، ينضوون كلهم تحت راية واحدة وتفض مشاكلهم عن طريق الاقتراع الحر، ويعارض الشعب سياسة بلاده وتنصاع الدولة من جهتها لقرارات الشعوب مهما صغر عددهم أو كبر، إذ يبلغ سكان سويسرا 7 ملايين يمثل المسلمون أكثر من 300 ألف نسمة منهم.

إضافة إلى ذلك، فالكونفدرالية السويسرية تنقسم إلى 26 كانتوناً (مقاطعة)، ويعني هذا العدد بالتعبير العام 26 نوعا من السياسة والتسيير، إذ تسير هذه المقاطعات جميعها وفق نظام حكومي خاص بها، فكل مقاطعة لها حق التصرف في ترابها وممتلكاتها ما عدا الجوانب ذات الطابع الكونفدرالي كالسياسة الخارجية للبلاد مثلا، حيث يكون لرئيس بلدية ما صلاحيات ونفوذ أكبر من رئيس الدولة ذاته ولن يقال رئيس البلدية إلا بقرار سكان بلديته، فأين نحن من كل هذا التقديس للمواطن واختياراته. فالرئيس عندهم ليس «سوبر مان» لا يسأل عن ما يفعل! بل يسأل ويحاسب ويدفع الضرائب كباقي سكان الوطن، ويركب في الحافلة والقطار مع المواطنين، كما يذهب للتسوق وسط الجماهير وينتظر دوره من دون حرس خاص ولا تشريفات! فمنذ سنة 1868 سلكت سويسرا بوجه عام على الصعيد السياسي خطا «معتدلا» أو قل محايداً، حيث احتفظ حزب الوسط الراديكالي بالأكثرية طيلة 70 عاما ومارس المسؤوليات ضمن إطار الدولة الاتحادية وقد كان لحكومات بعض المقاطعات اتجاه محافظ خصوصا في المقاطعات الكاثوليكية التي ينتمي إليها الرئيس أدولف أقى.