على المجتمع الدولي الاعتراف بحكومة الصومال

TT

بعد عشر سنوات من الاقتتال والحرب، يعود الصومال إلى المجتمع الدولي من جديد حين تشكلت له حكومة من المجتمع المدني من جميع فئاته وبكل شفافية بعيداً عن زعماء الحرب ولقيت هذه الحكومة تأييداً شعبياً واسعاً لوحظ ذلك من خلال استقبال الجماهير التي قُدرت بخمسمائة ألف شخص للرئيس الجديد في العاصمة وكذا في غيرها من المدن التي زارها ثم تبع ذلك دخول جميع أفراد مجلس الشعب المشكل من جميع القبائل إلى العاصمة ونزولهم في الفنادق الثلاثة الكبرى وسط العاصمة وقد وجدوا من أهالي العاصمة كل الترحيب علما أن المجلس يضم أفرادا من قبائل كان العداء بينهما شديدا طوال السنوات وهم مع ذلك يؤدون مهامهم على أحسن وجه تاركين وراءهم كل أسباب الفرقة والعداء وهذا ما يعطي المجلس مصداقية في تحمل مسؤولياته تجاه شعبه الذي اختاره ولأول مرة تسلم الميليشيات أسلحتها للإدارة الجديدة طوعا من نفسها.

وسبب هذا التأييد العارم يرجع سببه إلى أمرين اثنين: الأمر الأول، أن مجلس الشعب (البرلمان) تأسس من جميع قبائل الصومال وروعي عند التمثيل حجم القبائل في المجلس ولم تهمش فئة مهما كان حجمها وهذا ما لم يحصل في جميع الحكومات أو الإدارات السابقة وهو ما أوجد ارتياحا لدى الأوساط كلها علما أن الحكومة المرتقبة ستكون على تشكيلة البرلمان نفسها من حيث التمثيل.

الأمر الثاني، وهو الأهم في نظري، أن عدم الثقة الذي كان سائدا بين القبائل طوال المؤتمرات السابقة المتمثل في الخوف من أن تنفرد قبيلة بالسلطة على حساب القبائل الأخرى وتسيطر على حياة الشعب وتتحكم في رقاب الناس كما كان عليه الحال في عهد الديكتاتور محمد سياد بري، زالت كل تلك المخاوف بتمثيل القبائل في جميع مؤسسات الحكومة وبوضع دستور يحدد مهام كل المسؤولين ووجود برلمان يشرف على تنفيذ الدستور ومحاسبة الحكومة وفوق ذلك استقلالية المحاكم عن السلطة التنفيذية وهذا ما لم يحدث في التاريخ الصومالي، وهذه العوامل مجتمعة لعبت دورا مهما في أن تحوز هذه الحكومة ثقة الشعب الصومالي على الأقل في جنوب البلاد ووسطها.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي تستطيع هذه الحكومة المدنية أن تفعله تجاه الصعوبات المتمثلة في معارضة زعماء الحرب ورفضهم في مشاركة هذه الحكومة؟

أقول جوابا عن ذلك، إن هؤلاء الزعماء كانوا يستمدون قوتهم من قبائلهم، وهذه القبائل بزعامة شيوخها هي التي شكلت هذه الحكومة بعد أن ملّت من الحروب ويئست من أي دور للزعماء في الصومال لكثرة إخفاقاتهم وعجزهم عن إيجاد إدارة محلية في العاصمة فضلا عن تشكيل حكومة عامة، لهذا فقدوا التأييد من قبائلهم ولا تستغرب إذا سمعت أن معظم الحرس الخاص لكل زعيم تركه وانضم إلى الحكومة الجديدة بقيادة عبد قاسم صلاة حسن.

ولا يفهم من كلامي أنني أنكر أن هناك صعوبات أمام هذه الحكومة الجديدة، لكنني أقول إن فرص النجاح لهذه الحكومة أكثر، والدعم الشعبي لها أقوى، وإلا فإن أمام هذه الحكومة الجديدة صعوبات متعددة يأتي في مقدمتها هذا البلد المدمر بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ثم وجود المعارضة بزعماء الحرب التقليديين لهذه الحكومة مهما كان حجم هذه المعارضة، إضافة إلى وجود المناطق التي ادعت لنفسها الانفصال عن بقية الصومال كجمهورية ما يسمى بأرض الصومال.

وفي اعتقادي أن هذه الحكومة يمكن لها أن تتخطى كل الصعاب إذا هي تصرفت في معالجة تلك القضايا بحكمة وذلك بجمع أكبر قدر ممكن من المعارضة عن طريق الإقناع وإشراكهم في الحكومة ثم تأسيس جيش وطني مسلح تسليحاً قوياً لا يقل عن ثلاثين ألفا في الوقت الحالي لأن وجود هذا الجيش القوي يحمل ما تبقى من القبائل والمعارضة على تسليم سلاحها والاستسلام للحكومة ولن يتسنى لهذه الحكومة القيام بكل ذلك إلا باعتراف ودعم دوليين، لكن بكل أسف إن كثيرا من الدول تقف في موقف المتفرج المتشكك من قدرة هذه الحكومة على استتباب الأمن وبالتالي فهي تراهن على الوضع وتنظر إلى من تترجح له الكفة لتقول كلمتها وتبين موقفها عندئذ.

أقول: يجب على الدول التي لها شعور بالمسؤولية تجاه الإنسانية أن تهب لنجدة الصومال بالاعتراف والدعم المعنوي والمادي وعلى الدول العربية على وجه الخصوص أن تكون في مقدمة تلك الدول لأن الأمر يتعلق بدولة هي عضو في جامعة الدول العربية وأن يتجاوز تأييدها الألفاظ إلى خطة عملية مدروسة تعيد للشعب الصومالي المنكوب دوره في المحافل الدولية والإقليمية وعندئذ يقول الشعب الصومالي جزى الله عنّا إخوة وقفوا معنا وقت الشدائد.