بين بن غوريون ونتنياهو

TT

اطلق على رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك اخيرا لقبان أو صفتان، الاولى انه صورة عن بن غوريون وامتداد له، حيث ان بن غوريون، حسب دعاة هذا الرأي، اقام دولة، وها هو باراك، اذا توصل الى اتفاق مع الفلسطينيين يكون قد حدد حدودها. اما الصفة الثانية فلم تفارق باراك منذ صعوده الى الحكم قبل ما يزيد عن عام، وهي انه الوجه الثاني لنتنياهو على ضوء السياسة المخادعة والمراوغة التي ينتهجها حتى ازاء رفاقه في حزب العمل وفي الحكومة، حيث اشتكوا منه اكثر من مرة بانه لا يشركهم في الرأي ويحتفظ بالاوراق قريبة من صدره لئلا تتكشف لهم، اضف الى انه افرغ كثيرا من الاطر من مضمونها وفعاليتها، وها هي الانباء تتحدث عن تأزم الخلافات بينه وبين رئيس الاركان شاؤول موفاز على خلفية تعيينه اللواء عوزي دايان مستشارا للامن القومي، وهو ما رأى فيه موفاز مؤامرة من وراء ظهره.

لكن باراك يستمر بالسير على الحافة، ولا يميل الى هذا الجانب أو ذاك بصورة واضحة رغم ان اشارات الاستفهام تبدو كبيرة حيال كثير من الامور الناشئة، اذ انه على الرغم من عودته من قمتي كامب ديفيد الثلاثية والالفية من دون الاعلان عن اتفاق مع الفلسطينيين، يستمر ويتواصل مسلسل المفاوضات المملة في ظل تصريحات اسرائيلية ان الوقت الآن ليس للمفاوضات، بل لاتخاذ القرارات الحاسمة، وبالطبع من جانب الفلسطينيين من دون أي مقابل من جانب اسرائيل، كما اكد ذلك وزير الخارجية بالوكالة شلومو بن عامي حيث قال لا يمكن التنازل عن المقدسات اليهودية في القدس، ولا يمكن التنازل عن السيادة على موقع الهيكل المقدس! ومن الامور التي يكثر الحديث عنها اليوم، تشكيل ائتلاف حكومي جديد بعد أن تقزمت حكومة باراك من 23 وزيرا عند انطلاقتها الى احد عشر، فاضحت عاجزة عن تمرير واقرار اي مشروع اقتراح او اتفاق في حال انجازه مع الفلسطينيين، اذ انها لم تعد تملك الغالبية المؤيدة لذلك في الكنيست. ويحتدم الجدل حول هذا الموضوع، الذي يسعى اليه باراك ويحبذه مع الليكود وغالبية الاحزاب الاخرى ـ يلاحظ عليه تجاهل الاحزاب الدينية ولا سيما شاس ـ لتكون الحكومة حكومة وحدة وطنية.

يرى رئيس حزب ميرتس يوسي سريد ان حكومة وحدة وطنية هي حكومة شلل، فهي تأتي كبديل لخيار السلام، الامر الذي يؤكده ايضا الوزير يوسي بيلين من العمل، حيث قال ان حكومة كهذه هي بمثابة مؤشر على تنازل اسرائيل عن السلام. بل ان باراك نفسه حين يقول لاعضاء حزب انه سيتوجه الى الليكود ويسرائيل بعاليا لضمهما الى حكومة وحدة وطنية اذا لم يتوصل الى السلام مع الفلسطينيين فانه يؤكد هذه الحقيقة.

مع ذلك لا تبدو هذه الحكومة على جدول الاعمال حاليا، بل ان التركيز يدور حول تشكيل حكومة ضيقة وفق ما يشتهي باراك تضم بالاضافة الى اسرائيل واحدة، كلا من ميرتس وشنوي والوسط والخيار الديمقراطي وعام أحاد وتحظى بتأييد اعضاء الكنيست العرب. وجاء هذا التوجه بعد فشل رسول باراك، الوزير بنيامين بن اليعيزر باقناع رئيس الليكود ارييل شارون للانضمام الى الحكومة والذي (شارون) ولو كان راغبا في ذلك وجد معارضة قوية بين الكبار في الليكود مثل ريئوبين ريبليد وداني نفيه وليمور لفنات التي تدعو باراك بدلا من تضييع الوقت بالحديث عن تشكيل ائتلاف حكومي جديد، البدء بالمشاورات مع الليكود لتحديد موعد لاجراء الانتخابات المبكرة. وهكذا فان باراك حين يتكلم عن حكومة ضيقة يبدو اقرب الى دافيد بن غوريون، وحين يتحدث عن حكومة موسعة يكون اقرب الى صفة نتنياهو، من خلال ربط ذلك بالمفاوضات مع الفلسطينيين، إلا ان اوساطا اسرائيلية ترى ان باراك يقوم بما كان يقوم به نتنياهو وهو يحطم العمل كما حطم نتنياهو الليكود. والخلافات تتأجج داخل صفوف العمل وهو ما تجلى في غياب هيئات كبيرة عن الاجتماع الذي عقده باراك لاطلاع وزرائه واعضاء كتلته على ما جرى في قمة الالفية من مباحثات، ومن هذه الهيئات الوزير حاييم رامون ورئيس الكنيست افرام بورغ وعوزي بارعام ممن لا يخفون انتقاداتهم له. وبعد خسارة منصب رئيس الدولة لصالح موشيه قصاب من الليكود يتوقع سكرتير حزب العمل رعنان كوهين عدم حصول الحزب على اكثر من 20 مقعدا لو جرت الانتخابات الآن.

تقترب عطلة الكنيست من نهايتها وعندئذ سيواجه باراك عدة اقتراحات بحجب الثقة عنه وعن حكومته، وليس بعيدا أو مستبعدا سقوطها، ولن يغير شيئا التصاق صفة بن غوريون أو نتنياهو بباراك، فالمهم بالنسبة لاسرائيل عدم تفاقم وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة كما حصل آواخر عهد نتنياهو، وها هو باراك يستنفذ وقت ولاية الرئيس الاميركي بيل كلينتون من دون ان يستجيب للسلام ومتطلباته، بل يحقق المكاسب الهائلة مثل صفقة طائرات اف ـ 16 إي، واقامة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.