الصراع العربي ـ الإسرائيلي بين التفاؤل والتشاؤم

TT

يتوهم الكثيرون ممن عايشوا مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي وشاهدوا مسلسل الهزائم العربية المتلاحقة وما تبع ذلك من أحداث وتداعيات ألقت بظلالها على حسابات وتطلعات البعض من قصيري النظر من أبناء هذه الأمة أن إسرائيل باتت دولة يصعب قهرها أو التغلب عليها بحال من الأحوال، ومما ساعد على تأصيل هذا المفهوم في النفوس ما حققته إسرائيل من انتصارات دراماتيكية على دول عربية مريضة ومتشرذمة، إضافة إلى ما وصلت إليه من تقدم في الصناعات العسكرية والأسلحة ذات الدمار الشامل بدعم من حليفتها الاستراتيجية أميركا ومن دول أوروبا عموما.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن إسرائيل أقامت استراتيجيتها العسكرية في حربها مع العرب على أساس إلحاق الهزيمة النفسية بالعرب والمسلمين وشل معنوياتهم كمرحلة أولى من مراحل صراعها الطويل مع العرب، ذلك حتى تتسنى لها في ما بعد السيطرة العسكرية عليهم وبالتالي يصبح قبولها في المنطقة وفي النفوس أمرا لا بدّ منه. ومن نافلة القول أن نعترف أنها قد حققت تقدما لا بأس به في هذا المجال وهذا قد تمثل في مقررات مؤتمري القمة العربي والإسلامي الأخيرين اللذين استبعدا الحل العسكري مهما عظم الخطب ومهما بلغت وحشية إسرائيل واعتداءاتها على الأرواح والمقدسات فضلا عن إعطائها الضوء الأخضر بالتمادي والإمعان في تقتيل الشعب الفلسطيني الأعزل وضربه بالصواريخ والطائرات والدبابات كما نشاهد في كل يوم وفي كل ساعة من دون أي رادع.

وهذا يعني أن الهزيمة النفسية قد بلغت أعلى مستوى لها لدى العرب والمسلمين، الأمر الذي نخشى أن يصبح معه الاعتراف بإسرائيل وقبولها في النفوس أمرا تطلبه الضرورة وذلك استناداً إلى هذا الواقع الشاذ. والجدير بالذكر، أن الهزيمة النفسية هي من أنكى وأمر وأشد الهزائم خطرا على مستقبل هذه الأمة لأن واقعنا الهزيل هذا لا ينبغي أن يكون مصدرا للحلول ويؤدي إلى التفريط بقضايا الأمة المصيرية على أساس من هذا الواقع فالحروب بين الأمم منذ بدء الخليقة هي حالة من حالات الكر والفر وهذه سنة الحياة وعليه فلا ينبغي لنا أن نستسلم لهذا الواقع فنحن أمة أصيلة ذات حضارة عريقة قامت على الحق والعدل وانطلقت من تعاليم دين تتسع مساحته لكل زمان ومكان وقد مرت هذه الأمة عبر تاريخها الطويل بظروف عصيبة وأزمات خطيرة وشدائد أكثر مما نمر به في هذه الأيام وخرجت منها منتصرة ظافرة مرفوعة الرأس، فهي أمة الرسالة الخالدة خاتمة الرسالات السماوية التي لم تنحن ولم تنهزم. إنها تخبو لكنها لا تموت، قد تخسر معركة لكنها سرعان ما تستعيد قواها وتنتصر بإذن الله عز وجل.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من الجراح وعلى الرغم من خسارة معركة أحد قد استجمع قواه وأخذ بزمام المبادرة وطارد المشركين بمن معه من الصحابة نحو مكة حتى حمراء الأسد ولم تدخل الهزيمة إلى نفسه الشريفة أو نفوس المسلمين المجاهدين أبدا. وفي الحروب الصليبية التي دامت مائتي عام متواصلة، احتل فيها الصليبيون بيت المقدس واستشهد في تلك المعركة ما يزيد على سبعين ألفا من المسلمين غدرا بعد أن أعطاهم الصليبيون الأمان ودخل الصليبيون بيت المقدس وعلقوا الصلبان على المآذن والمنابر وربطوا الخنازير في محاريب المسجد الأقصى، لكن المسلمين صبروا وصابروا ورابطوا ولم تدخل الهزيمة النفسية إلى قلوبهم حتى قيّض الله عز وجل لهذه الأمة القائد البطل صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين وحرر بيت المقدس وأعاده إلى حظيرة الإسلام.

وفي معارك التتار الذين اسقطوا الخلافة الإسلامية وحرقوا ودمروا الحضارة البشرية آنذاك، وقتلوا أكثر من مليون مسلم حتى أنهم بنوا القلاع من جماجم المسلمين، لكن هل دخلت الهزيمة إلى نفوس المسلمين رغم ذلك كله؟ لا وألف لا، حتى جاء القائد المسلم سيف الدين قطز واخوانه الظافر بيبرس وغيرهما الذين سحقوا التتار في معركة عين جالوت وأعادوا إلى الإسلام أمجاده.

ويحضرني في هذا المقام قول القائد خالد بن الوليد وهو يرد على أحد الجند عندما قال ما أكثر الروم وما أقل المسلمين، قال له خالد: ويحك قل ما أقل الروم وما أكثر المسلمين، إنما تكثر الجيوش بالنصر وتقل بالهزيمة، والله وددت لو أن الأشقر (يعني حصانه) لم يكن رمدانا ويتضاعف عددهم. هذه الهمم وتلك المعنويات العالية تتضاءل أمامها الجبال الشاهقة ولا تنال منها الإرهاصات أو الأراجيف وهذه هي الحقيقة التي ليست هناك حقيقة غيرها وهي الرجوع إلى الله عز وجل فهو القائل وقوله الحق: (إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبت أقدامكم)، وإذا كان البعض تضيق صدورهم من هذه الدعوة فإنها الحقيقة والحقيقة ولا حقيقة سواها.

=