الاختلاف واحترام الرأي الآخر

TT

لقد استهوتني الآراء الشيقة التي يقدمها الكاتب السعودي تركي الحمد على صفحات جريدة العرب الأولى خاصة المتعلقة بحرية الرأي والاختلاف، ولي هذا التعليق:

أيمكن أن تكون على وفاق مع من تختلف معه في الرأي؟

الإجابة عن هذا التساؤل ليست بتلك البساطة التي يتصورها البعض، فالجواب بنعم ربما يصبح من باب التباهي أو التبجح قبل أن يكون جواباً صحيحاً عن مسألة هي من التعقيد أبعد من أن نتصورها. أن نقبل الاختلاف والتنوع في الرأي، يعني أننا دخلنا عصر التطور الحضاري من أوسع أبوابه، وأقصد من الاختلاف في الرأي في جميع المجالات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والرياضة والطب وبقية العلوم بشكل عام.

إن قبول الرأي الآخر صفة تكتسبها المجتمعات عبر تطورها ومسارها التاريخي، وربما تتمايز هذه المجتمعات في ما بينها من حيث تقدمها أو تخلفها، من جملة ما تتمايز به، بسيادة حرية الاختلاف أو غيابها في هذا المجتمع أو ذاك وكيف تسود هذه الحرية وتأثيرها في جميع مناحي الحياة حتى لتصل إلى التجمعات الكبيرة والصغيرة كالأسرة، وكيف تنعكس هذه الحرية على جميع أفراد المجتمع وعلاقاتهم بين بعضهم بعضاً.

إن الاختلاف والتعامل مع الرأي الآخر بديمقراطية سمة حضارية إذن، وهي عامل بل من أهم عوامل الاستقرار في المجتمع، بعكس ما يعتقد العديد من الناس بأن الاختلاف يصيب الوحدة الوطنية ويهمشها ويكسرها. فالعكس هو الصحيح، ونجزم القول بأن غياب التسامح وعدم احترام الرأي الآخر والإصرار على التطابق والتجانس في الرأي تفقد المجتمع وحدته الوطنية، بل ويمكن أن تكون عاملاً وسبباً كامناً في إشعال الحروب الأهلية. فغياب حرية الاختلاف يعني العنف والتحارب والاقتتال في محاولة فرض الرأي الواحد.

المسألة الأساسية هنا كيف نتعامل مع المختلف بروح التفهم ونعتبر وجود الرأي الآخر مسألة طبيعية بل وضرورية ويمكن أن نغتني ونستفيد منه جل استفادة. وعدم استيعاب هذا الجانب المهم لا بد أن يدخلنا في تعقيدات ربما تؤدي إلى ضحايا. والتاريخ الإنساني شاهد على مدى الخسائر الجسيمة التي جناها الإنسان على نفسه جراء مصادرة الرأي الآخر اذ تصل في أبشع صورها إلى حد التصفيات الجسدية بحق المعارضين الذين يمكن أن يكونوا على حق أو جزء منه في ظروف تاريخية أخرى متأخرة.

ولو نظرنا إلى التاريخ المعاصر لوجدنا أن من أهم الأسباب وراء انهيار «إمبراطورية الاتحاد السوفياتي» كان صفة الشمولية ذات القطب الواحد وتجاهل الرأي الآخر ومحاربته وتصفية رموزه، مما أدى إلى إفقار المجتمع المدني وتخلفه عن مواكبة التطور الحضاري مما ساعد على تفجره من الداخل.

إذن ومن خلال هذا السياق، فإن الإقرار والاعتراف بالاختلاف والتنوع في الرأي يساعد على تقوية اللحمة الوطنية، ويشكل عامل عافية للمجتمع ودافعاً لتطوره السريع وهو يعني أن نقتنع بأننا لا نحتكر الحقيقة بشكل مطلق ولسنا أوصياء عليها. واحترام مبدأ الاختلاف يعني في ما يعنيه الاستفادة من تجارب الآخرين والاستنارة بالآراء الأخرى والاعتناء بها.

والإيمان بالاختلاف واحترام رأي الآخرين يحتاج إلى تعلم وتعود ثم اتقان. والمضي على هذا الطريق يولد تقاليد ومعايير حرية الاختلاف ويرسم حدودها المقبولة والمنطقية ويضعها في المكان والزمان المناسبين.

إن العالم يخطو خطواته المتسارعة نحو التطور، فهل نحن كأفراد ومجتمعات معنيون في هذا الأمر لتطوير علومنا وتكويناتنا وأسلوبنا في الحياة؟ سؤال إلى كل فرد فينا.