«أوان الورد» والوحدة الوطنية المصرية

TT

شيء جميل جداً ورائع أن تجسّد الوحدة الوطنية لحياة الشعوب على أرض الواقع بعيداً عن أي تعصب في الدين أو اللون أو الجنس، ذلك التعصب الأعمى الذي يدمّر من حوله الأخضر واليابس. وقد ضرب البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقصية أروع الأمثلة الحيّة لتلك الوحدة بمصر، بسرعة تدخله لاحتواء أية أزمة تعكر صفوها، بل يتعمد دائما أن يكون قريبا من المسلمين يحضر بعض اجتماعاتهم ومناسباتهم ويقيم مآدب الإفطار الرمضانية سنوياً بكاتدرائية الأقباط على شرف شيخ الأزهر ونخبة من القيادات السياسية والدينية. وشيء جميل جداً أيضاً أن أي إنسان لا مصري أو غيره يستطيع أن يفرق بين المسلم والمسيحي في شتى صور الحياة اليومية، والمسلم يشارك المسيحي أفراحه والعكس، حتى الاسماء القبطية بدأت تتغير من جرجس وتادرس وحنا إلى نبيل وسعيد وفتحي وغيرها. والشيء الجميل حقا ذلك المسلسل الذي كتبه الكاتب المسلم وحيد حامد وأخرجه القبطي سمير سيف وعرض بالقنوات الفضائية العربية بعنوان «أوان الورد» ولقي إعجابا شديدا من المشاهدين لعدم وجود ما يسيء للمسلم أو القبطي، وأحداثه عادية جدا وجاءت خالية من الإكراه في زواج المسلم من قبطية أو إكراه الزوجة القبطية لاعتناق الإسلام مثلا بل جاء احتراما بين الطرفين لحرية الأديان.

لكن المؤسف جداً هو ما قام به كاهن كنيسة العذراء بالقاهرة من نبش جسد الوحدة الوطنية بإثارته للأوساط القبطية وتحريض بعض المحامين الأقباط طالبي الشهرة برفع دعاوى قضائية ضد التلفزيون المصري بحجة أن المسلسل يحرض الفتيات القبطيات على الزواج من مسلمين، في حين أن زواج المسلمين من الفتيات المسيحيات سواء المصرية أو الأجنبية قائم منذ قديم الأزل ويتم بموافقة ورضاء العروس القبطية لدى مصلحة الشهر العقاري بمصر، كما أن هذا الزواج ليس في حدّ ذاته ظاهرة يخشى الأقباط من انتشارها وليس مسلسلا يعرض في التلفزيون لأيام سيجعل المسلم يتهافت على الزواج من قبطية إلا إذا ربط بينهما حب عميق يتحطم أمامه أعنف تيار.

وكاهن الكنيسة وهو رجل دين، يفترض أن يكون في منأى عن أي تصرفات متشددة تثير القلاقل بين الأوساط القبطية وتخلخل نسيج الوحدة الوطنية في أكبر دولة عربية وهي مصر، وحتى لا نسمع قيام بعض أئمة المساجد يرفعون في المقابل دعاوى قضائية ضد مؤلفين ومخرجين ومصورين وممثلين وممثلات أقباط لمنعهم من العمل في التلفزيون المصري بعد أن مثلوا العديد من الأفلام والمسلسلات التبشيرية ممولة من جهات مجهولة وتم بثها من قبرص. لذا وجب إيقاف هذا الكاهن عن تصرفاته المتشددة التي تسيء للوحدة الوطنية وبالتالي تثير الفتنة الطائفية دون داع.