المقاطعة خيار آخر

TT

رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن انتقد مجموعة من كتّاب جريدة «الشرق الأوسط»، ومن بينهم عبد الرحمن الراشد ود. تركي الحمد ود. احمد الربعي وفؤاد مطر، الدعوة إلى مقاطعة البضائع الغربية.

وترتكز «الهجمة الشرق أوسطية» على أسلوب المقاطعة على نقطة مهمة وهي عدم فعالية هذه المقاطعة وأنها غير واقعية، إذ لا يمكن الاستغناء عن البضائع الغربية بدءاً من المواد الاستهلاكية الغذائية وانتهاء بأجهزة الكومبيوتر والأجهزة الطبية... إلخ.

بمعنى آخر، إلغاء المقاطعة كخيار في مواجهة الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية اليومية على إخواننا في فلسطين.

ولكي نناقش الموضوع بدقة يجب الفصل بين أمرين:

أولا: المقاطعة على مستوى الدول العربية: وهنا يطالب البعض ويركز على مطالبة الدول العربية النفطية والدول الخليجية بالذات بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الدعوة ليست عقلانية ولا منطقية وتفتقر إلى أبسط أبجديات السياسة والأمن القومي والإقليمي في الشرق الأوسط.

إن النفط سلعة اقتصادية استراتيجية، ومن الخطأ أن يتم تحويله إلى سلعة سياسية والتهديد باستخدامه كسلاح، ناهيك عن اعتماد سياسة قطع النفط التي تعتبر سياسة انتحارية على جميع المستويات، إذ أن النفط يشكل المورد الرئيسي للدول الخليجية التي تعتبر الداعم الرئيسي من الناحية السياسية والمادية للشعب الفلسطيني، فقطع النفط يعني اضعاف تلك الدول والتعظيم من خسائر الشعب الفلسطيني.

الأمر الآخر أن الوضع العالمي والإقليمي يختلف تماما عن عام 1973، ومما لا شك فيه أن قطع النفط في هذا الوقت سيعرض الدول النفطية والوطن العربي لأزمات كبرى سياسية وعسكرية، هذه الأزمات قد تحرق الاخضر واليابس وتدخل المنطقة في نفق مظلم من عدم الاستقرار لمدة طويلة جدا نندم عليها كثيراً، والقاعدة الشرعية تنص على أن «الضرر لا يزال بالضرر».

ثانيا: المقاطعة على المستوى الشعبي، وهنا فإني وبكل عقلانية أجد دعوة الاخوة في جريدة «الشرق الأوسط» غير واقعية وتفتقر إلى المنطق والإقناع، إذ أن المقاطعة الشعبية هي أسلوب آخر من أساليب المقاومة اللاعنفية، وتدخل ضمن الخيارات المتعددة التي يجب اتخاذها لتحقيق نوع من الضغط على الحكومة الأميركية وفي أسوأ الحالات هي مؤشر يدل على غضب الشارع العربي من الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل، وهذا في حد ذاته يقوي مواقف الدول العربية في مواجهة التعنت والاستبداد الصهيوني.

إن خيار المقاطعة هو اختبار للذات العربية التي يركز د. الحمد على ضرورة احترامها، إذ لا يمكن أن تحترم الشعوب ذاتها إذا عجزت عن اتخاذ قرار تستطيع تنفيذه، لأن ذلك منتهى العجز.

أما حجة أنه لا يمكن مقاطعة جميع البضائع الغربية، فالدعوة ليست لمقاطعة جميع البضائع الغربية لأن هذا ضرب من المستحيل، المقاطعة المطلوبة، مقاطعة منتجات بعض الشركات الأميركية التي تتعاطف أو تدعم الكيان الصهيوني، ما استطعنا، أي أن الأمر مرهون بالاستطاعة وإيجاد البديل.

ولا اعتقد أن مقاطعة ماكدونالد واخواتها ستتسبب في إيجاد أزمة غذاء في العالم العربي، والبديل العربي «الشاورما» أو المحلي «القرصان» ألذ وأطيب.

ومن الغريب أن صحيفة «الشرق الأوسط» ـ عدد يوم الثلاثاء 9 رمضان ـ ذكرت أن مجموعة من اليهود الكنديين قاموا بمقاطعة جريدة «تورنتو ستار» وسحب رجال الأعمال اليهود إعلاناتهم من الجريدة لأنها تعاطفت مع الشعب الفلسطيني في تغطيتها للأحداث الجارية في فلسطين واعتبروا ذلك حقا مشروعا لهم في الدفاع عن أنفسهم.

فهل يا ترى يحق لليهود الكنديين المقاطعة واستخدامها كأسلوب للدفاع عن مواقف إسرائيل العدائية والإجرامية ولا يحق للعرب أن يستخدموا الأسلوب نفسه لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.

إن المقاطعة الشعبية وإن لم تحقق التأثير الكبير على الشركات الأميركية كما يزعم البعض، لكنها تحقق أموراً أخرى تتطلبها ظروف الحرب مع الكيان الصهيوني وأهمها تضافر جميع الإمكانيات والقوى، وفي مقدمتها القوة الإيمانية وتنمية الشعور بالانتماء والتلاحم اللتين هما عماد القوى العسكرية والاقتصادية للدول والشعوب العربية.

إن من أخطر الأمور أن نحاول أن نجهض محاولة الأمة أفراداً وجماعات في التعبير عن قناعتها وأن نحدد لها خياراتها أو أن نربطها تبعياً وفكرياً واقتصادياً وسلوكياً ومصيرياً بالغرب.

إن تفاعل الأمة العربية مع المقاطعة وخاصة الأطفال دليل واضح على عمق إيمان هذا المجتمع بثوابته وانتمائه للاخوة الإيمانية في الدين والوطن.