توحيد أخناتون.. تأملات فلسفية

TT

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها رقم (8046) مقالة لعصام الصانع ردا على مقالة الكاتب احمد عثمان التي كانت بعنوان (دراسة فرنسية تثبت ان النبي ابراهيم عليه السلام هو الفرعون المصري اخناتون نفسه)، وكذلك عن دراسة تثبت ان النبي موسى عليه السلام مصري وليس من بني اسرائيل، فحوى الرد الاثبات بأن خليل الله عليه السلام ابراهيم ليس هو اخناتون، وان اخناتون لم يكن هو الموحد الاول.

من هو اخناتون؟ ان اخناتون هو (أمنحوتب الرابع) احد الفراعنة المصريين من ملوك الاسرة الثامنة عشرة ولد عام 1369م وتوفي عام 1354م، نادى بأن الآمونية والآتونية ديانتان شمسيتان تصدران من اصل واحد. وان هذا الموضوع ليس بجديد على الساحة فقد سبقهم اليه الفيلسوف اليهودي (فرويد) فألف كتابا في مسألة المقابلة بين عقائد اخناتون والعقائد العبرية سماه (موسى والوحدانية)، وانتهى في فروضه الى تقرير رأيه المرجح لديه هو ان موسى تربى في مصر في كنف الوحدانية ونشأ في اعقاب المعركة بين آتون وآمون، وان موسى من دم مصري وليس من اللاويين كما جاء في التوراة. واذا كان فرويد لا تهمه الحقيقة الدينية التي يؤمن بها اهل الايمان الصحيح فنحن المسلمون على يقين بأن عهود الفراعنة لم تكن إلا عهود وثنية وكفر، ولم تكن قط عهود وحدانية لله الحي القيوم، ولم تذكر الكتب السماوية المنزلة اسم اخناتون بأنه كان موحدا، بل على العكس فقد جاء في الذكر الحكيم ان فرعون مصر لم يكن إلا كافرا وطاغية. لقد اختلفت الآراء في ديانة اخناتون، فمنهم من قال إنها نتيجة لازمة للتنافي السياسي بين اخناتون كملك على العرش وبين سلطة كهنة آمون وثرائهم الفاحش. والبعض رجح بأنها فتنة حتمتها ظروف الامبراطورية المصرية وتصارع الاضداد بين الاغنياء والفقراء. وان تسليم الكاتب بأن اخناتون كان موحدا ولكنه ليس اول خطأ كبير يقع فيه بعض المسلمين نتيجة قصور ادراكهم بالتاريخ الاسلامي الذي هو اساس مرجعنا التاريخي.

ان إله اخناتون الذي سمي (آتون) لم يكن إلا قرص الشمس وهذا استهزاء بالعقل البشري منذ زمن نبي الله ابراهيم عليه السلام الى هذا العصر الذي اكتشفت فيه مليارات الشموس كشمسنا هذه. ان اخناتون الذي يعبتره البعض موحدا كان شاذا الى ابعد الحدود، حيث يروي التاريخ انه عشق اخاه الصغير (سمنكارع) ومارس معه اللواط لسنوات طوال، وان انحطاطه الخلقي ليتجلى كذلك في هجره لزوجته الجميلة (نفرتيتي) وزواجه من ابنته الثالثة (عنخس آن باتون) التي اصبحت زوجة (لتوت عنخ آمون) في ما بعد، وكان لا يخجل في اطلاق لقب نسوي من ألقاب الملكة نفرتيتي وهو (محبوبة) على اخيه الصغير، والمتاحف الاوروبية مليئة بالاثباتات. ولكي يُشبع شذوذه اتجه الى هدم المعتقد الديني بضرب المجتمع كله فألغى عبادة آمون لكي لا يكون معه غيره وانتقل من وثنية الى وثنية اجهل واحط. ان قضية ابتداع دين جديد لا تزال تحدث الى وقتنا هذا، فكل يوم نقرأ ونسمع في اصقاع الارض ان زيدا أو عمرا من الناس ادعى الربوبية أو النبوة، وله اتباع يتجاوز عددهم الملايين في بعض الاحايين، والقاسم المشترك بين هذه الاديان المبتدعة كما يدعي المنتسبون إليها هو التسامح الانساني تحت عرش اله واحد بمفاهيم مختلفة للذات الالهية. ومن غير الجائز لنا اعتبار اخناتون موحدا كما زعم بعض الكتاب الغربيين لأن مفهوم التوحيد لديهم يختلف كل الاختلاف عن مفهوم التوحيد في العقيدة الاسلامية.