قصة (حي بن يقظان) وقدرة الإنسان على التكيف

TT

إنني من القرّاء الجيدين لجريدة «الشرق الأوسط»، فأنا اطلع عليها إن لم يكن يوميا فمعظم الأيام، وقد قرأت باهتمام شديد مقالتين للدكتور نجم عبد الكريم، الأولى عن فرانسيس بيكون، كيف أن أفكاره قد سبقت عصره، والأخرى لـ (حي بن يقظان) ومدلولات هذه القصة. وحقيقة فأنا من المهتمين جدا بمثل هذه المواضيع وجدليّتها، وأذكر أننا في السنة الرابعة ـ قسم اللغة الإنجليزية ـ في جامعة دمشق، كان لدينا أحد المقررات وهو المقال الأدبي، ومن بينها فرانسيس بيكون حول الأدباء الإنجليز، وقد كان من المقررات الصعبة للغاية، حيث كان مطلوبا منا أن نعبّر عن رأينا في ما لا يزيد عن عشرين سطراً مهما كان الموضوع متشعباً.

والنقطة الثانية، هي قصة (حي بن يقظان) وان كانت قد ألهمت دانييل ديفوك لكتابة رواية روبنسون كروزو، وقد تطرقنا إليها بشكل سريع، وأرجو أن تسمح لي أن أعبّر عن انطباع معين لا أجد له تفسيراً مقنعاً نتيجة الاطلاع على بعض القصص:

في قصة سيدنا موسى عليه السلام، وخوفاً من بطش فرعون، ألقته أمه في المياه، حتى التقطته جماعة فرعون نفسه، وقاموا بتربيته إلى آخر القصة (سورة القصص من الآية 6 إلى الآية 14). وقصة (حي بن يقظان)، كيف ألقته أمه في المياه خوفاً من بطش أخيها، وعثرت عليه الظبية واهتمت به.

والسؤال هو: ما السّر بالهرب من الواقع بالطريقة نفسها؟ هل هذا التكرار مجرد صدفة أم أنه متناقل؟ وهل العبرة في أن تترك هذا المخلوق للأقدار كي تقرر هي مستقبله، وكيف أنه ينجو في كل مرة ويستمر أقوى مما كان متوقعاً؟ هل العبرة في أن المكتوب لا مفرّ منه وهو صائر لا محالة، أم أن هذه الطريقة متناقلة من كاتب لآخر؟

قصة (حي بن يقظان)، هل هي إثبات قدرة الإنسان على التكيف مع أي ظرف للاستمرار وبها يتفوق على غيره من الكائنات؟ وهل هذه القدرة مثلا هي التصميم على الاستمرار كضرورة لإعمار الكون، إضافة إلى نقطة نمو الوعي لدى الإنسان وبحثه عن ضرورات استمراره من ملبس ومأكل ودفاع عن النفس ضد الأخطار المحيطة به؟

حقيقة أنا لا أعرف نهاية هذه القصة، لكن استوقفتني طريقة قذف المولود إلى المياه كي يجد مجالاً للاستمرار بدلا من الموت المحتم، وهل الكاتب يعطي مجالا أوسع للبطل وللرواية لمزيد من التشويق، فهو ينجّي البطل من الموت ويعطيه مساحة أكبر لإثبات نفسه ومن خلال ذلك يتم التلميح إلى أفكار معينة؟

هذه استنتاجات راودتني وأردت سردها، وأشكركم جزيل الشكر على الاهتمام بهذه المواضيع، فهي تنشّط ذاكرتنا نحو أمور كثيرة كاد أن يطويها النسيان.

أرجو أن أكون موضوعياً نوعاً ما في ما دوّنته، ولا شك ان الدكتور نجم بهذه الكتابات يخاطب شريحة لا بأس بها من القرّاء الذين يحنّون إلى مثل هذا الجدل المجدي والمنسي إلى حد ما.