قطط السودان الجائعة وممارسة الأتراك

TT

ما زال الاقتصاد السوداني يعتمد على جباية الضرائب والرسوم الجمركية وغيرهما كمورد أساسي، وقد تمّ تصنيف هذا النوع من الاقتصاد بأنه من أسوأ أنواع السياسات الاقتصادية عالمياً، وثبت ذلك فعلاً بالنظر لما عكسه على الاقتصاد السوداني من شلل تام، حيث أصبحت القروض والاستثمارات الأجنبية هي أداة الانتعاش، التي هي الأخرى تخشى السقوط في مخالب نظام اقتصادي مماثل.

تاريخ اعتماد الاقتصاد السوداني على الضرائب، يعود إلى أيام الحكم العثماني، أيام كان الأتراك العثمانيون يحكمون السودان، حيث كانوا يمارسون أقسى الممارسات من أجل جباية الضرائب الباهظة، التي كانت تصل إلى مرحلة وضع القطط بعد تجويعها في الملابس الداخلية للشخص الذي يمتنع عن دفع الضرائب لتنهش أعضاءه التناسلية مما يجعله يستسلم فوراً ويدفع الضريبة الباهظة، ولو أنها تفوق مقدرته المالية. وما يشهده السودان من غلاء في المعيشة وارتفاع تكاليفها، متزامنا مع تدني مستوى الفرد وإصرار الحكومة على جباية ضرائب باهظة هو بمثابة استمرار سياسة القطة الجائعة بل أشد وطأة.

كيف ينهض الاقتصاد السوداني وهو مكبل ومقيد بسلاسل من الضرائب والرسوم، تستعمل في جبايتها بيروقراطية وظيفية مزمنة تعتبر مثالاً ومقياساً لصفات دول العالم الثالث، تطبيقاً لهذه السياسة الخانقة، وبكل الصرامة، مما افقد وزارتي المالية والتجارة دورهما، وانحصر دورهما في عملية مسك الدفاتر والمباهاة بتغطية عجز ميزانية الدولة بفرض مزيد من الضرائب على ذات الأوعية المموّلة، من دون أن تكون مبنية على زيادة الإنتاج أو التوسع إن لم تكن قد تدنت إنتاجيتها لذات السبب.. إنهم لا يعتمدون على أي إحصاءات، مما أفشل معظم المشاريع الزراعية والصناعات التحويلية القائمة مثلها مثل الظل الذي وقف من دون زيادة.

كما أثر ذلك في الوضع التنافسي للمنتجات السودانية من حيث الكم والنوع، مما جعل الصادرات تتعثر ويتعثر معها الناتج القومي، وقد شجع ذلك التهريب هروباً من الضرائب والرسوم، حيث أصبحت بعض دول الجوار أسواقا رائجة للمنتجات. وبما أن السودان قد أصبح دولة مصدرة للبترول، ما زالت أسعار الوقود وزيوت التشحيم في مستواها نفسه، قبل إنتاج وتصدير البترول، ولم يكن لذلك أثر ملموس في حياة السودانيين أو حتى دعمها حكوميا في الأقل للمشاريع الزراعية والصناعية، خفضاً لتكاليف الإنتاج وتحفيزاً للاقتصاد. مع كل ذلك، قد أصبحت العولمة أمراً واقعاً لا بد منه، فهل سيبقى اقتصاداً مقيداً بذات السلاسل؟