نفاخر كلبنانيين ومسيحيين بأنه لو لم يحفظ الرهبان العربية لكان غسان الإمام يتحدث اليوم التركية

TT

يؤسفنا أن تتحول جريدتنا المفضلة «الشرق الأوسط»، منبراً لشتمنا نحن اللبنانيين المسيحيين بقلم الكاتب غسان الإمام، الذي يظهر تعصباً ضدنا بأن يقحمنا في مقالاته عرضاً مستخدماً نعوتاً وألفاظاً لا تليق بجريدة محترمة كـ «الشرق الأوسط»، ومبتعداً عن الواقعية والالتزام الأدبي.

ففي مقالة الثلاثاء 2001/1/9 عدد 8078، يصول ويجول حول الفصحى والعامية، يقول: «الأمية الإعلامية يرافقها جهل متعمد تمارسه أقليات مختلفة، فهي في كرهها للهوية العربية تحاول ضرب الهوية الثقافية الواحدة عن طريق تحطيم لغتها الفصحى.. وفي لبنان بالذات، جرت منذ الستينات محاولات لفرض المحكيّة كلغة لثقافة متفردة رعتها عصبة من الشعراء والأدباء بتمويل أجنبي مشبوه، ونشأت أجيال سياسية مختلفة تباهي بأمّيتها اللغوية ورفضها واحتقارها للغة العربية بدءاً ببيار الجميل وريمون ادة، ووصولا لجيل سمير جعجع. لقد حذّر مفكّرو الانعزالية السياسية اللبنانية، من أمثال فؤاد افرام البستاني وشارل مالك من غشامة هجمة اللبنانية المحكيّة على العربية الفصحى، وأدركوا أن المسيحية اللبنانية ستخسر إشعاعها الثقافي في العالم العربي إذا تكلمت لغة محكيّة ركيكة غير مفهومة».. إلى أن يتطرّق إلى محطات التلفزيون والغناء إلخ.

نودّ أولا أن نقول لغسان الإمام، إننا كلبنانيين وكمسيحيين نفاخر أنه لو لم يحفظ الرهبان في أديرتهم اللغة العربية كتابة وطباعة، ولولا رجال الفكر والأدب اللبنانيون ومجملهم من المسيحيين، لكان غسان الآن يتكلم التركية، فيا ليته يزور دير مار انطونيوس قرب اهدن، ودير مار الياس الشير قرب بكفيا، ليشاهد أولى مطابع الشرق العربي.

ثم ان السادة بيار الجميل وريمون ادة وسمير جعجع، هم من رجالات السياسة، ولا شأن لهم بالفصحى والعامية، فكيف أقحمهم في موضوع لا يعنيهم؟، هل لمجرّد أنهم موارنة ويحلو للإمام شتم الموارنة؟. اما ادعاؤه أن عصبة الأدباء والشعراء، التي دعت إلى لغة محكيّة تعمل بتمويل أجنبي مشبوه، فأين دليله؟، فهذا افتراء ما بعده افتراء على نخبة مفكّرة تشهد أعمالهم بالفصحى عن مكانة عالية لا يدانيهم فيها إلاّ القلّة. وليذكر أن إرهاب النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي المنفرط، لم يستطع أن يمنع اللغات المحلية بفرضه الروسية على الجمهوريات كافة، فكان يطبع باللغات المحلية اضعاف ما يطبع باللغة الروسية. وماذا نسمي ما تقوم به اليوم تركيا مع الأكراد، حتى تمنعهم من أن تكون لهم إذاعة؟. ثم يا رعاكم اللّه، فليدلنا الإمام، كيف نغنّي الميجانا والعتابا وأبو الزلف بالفصحى؟، وهل المطلوب أن يخاطب الرجل بائع الخضار وسائق الحافلة وأولاده نهاراً وزوجته ليلا بالفصحى؟، فيبدو كمسلسل مكسيكي «مدبلج». ما الضرر أن يستمع اللبناني إلى الغناء الخليجي والمصري إلى الغناء العراقي والجزائري إلى اللبناني إلخ. فليطمئن ويرتاح، فلن نحتاج لمترجمين ما دمنا نملك الذكاء وقابلية اكتشاف الآخر، وأن نحبه ونحترمه كما هو وليس كما نريده نحن أن يكون مثلنا أو نكرهه. لقد خلط الإمام بين الكتابة الأدبية ولغة الجرائد وبين صناعة الترفيه على التلفزيون، وهما شأنان مختلفان تماماً، فالعامية لها مكانها في التداول اليومي البسيط كما للفصحى مكانها الراقي في الأدب والتراث إلخ.

أما التعريب فضروري لمن لم يحالفهم الزمن ليتعلموا الإنجليزية لأسباب سياسية أو فكرية نعرفها جيداً، لكن المؤسف أن كل الكتابات في العلوم والتطور تنطلق من مصدرها الأجنبي، ونحن نلهث لاستهلاك منجزاتهم. يوم تنبعث الاختراعات والاكتشافات من العالم العربي حينها لن نحتاج إلى تعريب، خاصة إذا جاء على شاكلة: الشاطر والمشطور، والكامخ بينهما لكلمة سندويش. نتباهى أن في اللغات الأجنبية كلمات عربية بفضل وجود العرب في اسبانيا، فهل يعيبنا أن نستعمل كلمات دخيلة لأشياء مستحدثة؟، فلماذا لم يقل الإمام الرائي بدل التلفزيون؟.

كاتب هذه الأسطر، ومجموعة من الزملاء المدمنين على قراءة «الشرق الأوسط» من سنين طويلة، لأنها أفضل الموجود حولنا، تداولنا وعزمنا على أنه لا طلاق بيننا وبين محبوبتنا «الشرق الأوسط»، بل نهجرها يوم يكتب فيها غسان الإمام فاعذرونا، لم ينصفنا في جريدتكم إلا الفاضل صالح القلاب، الذي عبّر عنا بأصدق تعبير. كما نحيّي بالتقدير والإعجاب خالص جلبي، على سعة ثقافته ورجاحة تفكيره.

في الختام ندعو لكم بدوام الصحة والعافية ولجريدتنا المحبوبة استمرار التألق والازدهار، واسلموا بكل خير.