من الشارع العربي إلى بيل كلينتون

TT

قرأت في جريدتنا الغرّاء «الشرق الأوسط» يوم الخميس 2001/1/18، رسالة وجهها توماس فريدمان على لسان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى الشعوب العربية، فأحببت أن أرد على هذه الرسالة كالتالي:

سيادة الرئيس: لقد درجت خلال السنوات القليلة الماضية أن أقرأ بعضاً من رسائلكم، التي وجهت عن طريق صديقكم توماس فريدمان، ولما كان معظم تلك الرسائل قد أرسل إلى بعض القادة العرب، لم يشأ أحد من أبناء الشعب العربي أن يرد على سيادتكم، حيث ان لقادتنا من المنابر الإعلامية والإعلاميين ما يكفي إن هم أحبوا الرد عليكم، لكن عندما توجهتم برسالتكم الأخيرة إلى الشعوب العربية، التي أنا فرد من أفرادها، شعرت أنه بات من الواجب عليّ أن أرد عليكم، خاصة أنتم تودّعون البيت الأبيض بعد ثماني سنوات كانت حافلة بالكثير من المآسي، التي أصابت شعوباً تعتبرها حكومتكم العتيدة وقوداً، ليس أكثر، لجني المزيد من الدفء والرفاهية إلى بلاد العم سام وشعبها، هذا الشعب الذي بات فيه الطفل يقتل أساتذته وأقرانه لا لشيء سوى لطغيان الشهوة والمادية المطلقة على بلادكم الزاخرة، التي غطت على الكثير من القيم والأخلاق السامية.

أما في ما يتعلق بشرقنا الأوسط، فاسمحوا لي يا سيادة الرئيس أن أصارحكم أنكم قد قضيتم سنواتكم الثماني وأنتم تطبخون الحصى ليس إلا، ودليلنا هو ما تشهده هذه المنطقة من اضطرابات قد تهدد بانفجار قريب قد يحرق كل شيء بما فيه مصالحكم، التي من أجلها تدعمون وبشكل مطلق دويلة إسرائيل، نعم يا سيدي إن طفلنا قد كتب عليه أن يحمل الحجر إلى حين، ولكن لم يتخل بعد عن كتابه كما تزعمون، أو ربما كما تشتهون، بل ها هو يضيف إلى قاموس العالم مفردة جديدة هي «الانتفاضة»، هذه الانتفاضة التي أذهلت العالم وبيّنت ما لهذا الطفل العملاق من إيمان وإرادة. هذا الطفل يا سيادة الرئيس قد حرمته سياستكم حتى من رقائق البطاطا، التي ذكرتموها في رسالتكم. دعني أصارحك يا سيادة الرئيس أنكم تتركون البيت الأبيض وقد اشتد عود محور الصين ـ روسيا، هذا المحور الذي، وعلى ما يبدو، قد ضاق ذرعا بسياساتكم الفوقية. كما دعني أذكّرك بأن حلفاءك من الأوروبيين قد بدأوا يشعرون بالغبن والخديعة بعد أن طعنوا في ظهورهم وهم يرون ما فعلته قنابلكم المغلفة باليورانيوم بأبنائهم.

دعني يا سيادة الرئيس، أهمس في أذنكم لأذكركم كيف أن شعبكم المخلص قد خذلكم ايضا حين أطاح بنائبكم العتيد، على الرغم مما بذلتموه من جهود جبارة لتنصيبه خلفاً لكم، لكن يبدو أن الشعب الأميركي قد وجد فيه نسخة منكم يبدو أنه لم يعد راضيا عنها.

سيدي الرئيس، إن من يقرأ التاريخ جيدا لا بد وأن يدرك أن بضع عشرات من السنين لا تعني شيئا في عمر الشعوب، ونحن لا نزال نذكر كيف أن العالم قد خسر أكثر من عشرة ملايين إنسان في حرب عالمية دارت رحاها منذ خمسين عاما فقط، وكان وقودها مواطنين من دولكم الديمقراطية المتقدمة.

وأخيرا وليس آخرا، اسمحوا لي أن أشكر لكم حرصكم على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، وها أنا ومعي الكثيرون على ما اعتقد نعدكم بأن الولادة مقبلة لا ريب فيها، وذلك مهما كان المخاض عسيرا.