المعضلة السودانية

TT

لماذا نتقاتل؟ وكيف نعارض حكوماتنا؟ للأسف نحن نكرر ذات الأخطاء في حق وطننا من دون أن نتعلم منها شيئا، ولماذا نحن على استعداد لنكران وجود بعضنا البعض؟ هل هناك من يستطيع نكران وجود حزب الأمة أو الحزب الاتحادي أو المؤتمر الوطني أو المؤتمر الشعبي أو حتى ينكر وجود المتمردين؟ هذه أشبه بمعادلة جبر كل طرف فيها يساوي الطرف الآخر ويمثل ثقلا شعبيا مقدرا.

لم يتبق أمام السودانيين سوى التسامح والمصالحة والمصارحة وأن يهبوا لبناء السودان، بعدما وضعوه بفعل صراعاتهم ومناطحاتهم في وضع مأساوي من التخلف والفقر في الوقت الذي يعتبر فيه السودان أحد خزانات الماء الكبرى في العالم بجانب المعادن والبترول. ما عادت سوق الشعارات الزائفة تجد رواجا، وليس هناك معنى لنعم العمياء في قاموسنا وان الوفاق أصبح خيارا مستقبليا واستراتيجيا لنطوي صفحة سوداء من تاريخ السودان، ويكفي أننا نخوض أطول حرب في تاريخ القارة الافريقية قضت على الاخضر واليابس، وأوصلت السودانيين إلى مرحلة البؤس والشقاء.

آن الأوان أن نتعلم معنى كلمة معارضة، التي لا تعني بالطبع القتال من أجل السلطة ولا تعني اللجوء إلى دول الجوار التي تتخذنا قناعا لتنفيذ مآرب الأعداء في وطننا، وهل من سوداني ينسى أن جارتنا العزيزة اريتريا على سبيل المثال وبعد كل تضحيات السودان معها لتحقيق استقلالها، تصبح عدوة لنا وتحشد جنودها على حدودنا، في الوقت الذي يشهد فيه التاريخ القريب ان السودانيين قد هزموا الإيطاليين في اثيوبيا سابقا، اريتريا حاليا، حتى سقطت مدينة كرن الاريترية تحت أيديهم في فبراير (شباط) 1941، ضمن التداعيات وسباق المستعمرات، التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية. ولولا وجود المتمردين والمعارضين السودانيين بإريتريا، لما تجرأت على السودان هكذا، وما يحمد لحكومة السودان هو تحلّيها بضبط النفس وعدم الدخول في حرب لا طائل منها وتفويت الفرصة على من خطط لذلك من الدول الغربية، التي تأتمر بأمر الكنيسة وترى بوجوب تحجيم الإسلام والعرب بالسودان.

أتمنى أن تخطو الحكومة السودانية خطوات أكثر وبرتم أسرع مما هي عليه، وتجمع كل الفرقاء السودانيين، بمن فيهم حركة التمرد، والتخطيط لذلك بالعمق والإيجابية المطلوبة، وبذلك تكون هذه الحكومة قد حققت للسودان ما لم يستطعه غيرها وحتما سيقول التاريخ كلمته وسينتخب السودانيون طاقمها مستقبلا ويعتبرونهم رموزا لا يمكن تجاوزها، وهذا خيارهم الأفضل وإلا مضوا كما مضى الذين من قبلهم والذين ما زالوا يلهثون للعودة إلى السلطة، وهم محملون بالوعود إلى الشعب السوداني الذي أصبح كالغريق الذي يتعلق بقشة.