تداعيات مذكرة التفاهم بين الترابي وقرنق على الحركة الإسلامية في السودان

TT

كانت فاجعة مذكرة التفاهم بين حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الشيخ حسن الترابي والحركة الشعبية بزعامة جون قرنق كبيرة الوقع على الحكومة السودانية، مما اضطرها لحرق ما تبقى من جسور الصلة مع تنظيم المؤتمر الشعبي والمسارعة بشن الحملات الأمنية والإعلامية على رموزه، اخوة الأمس وشركاء الأمر منذ مبتداه، بل وروّاد الحركة الإسلامية السودانية، التي لا تزال تحكم السودان منفردة لما يقرب من اثني عشر عاما من دون تأسيس، شكل رضائي لحكم البلاد، وبالتالي من دون التوفيق في حل مشاكله!. تم كل ذلك، على الرغم من إلمام الحكومة المسبق بأن هنالك مفاوضات سرية تجري بين الفصيلين المتناحرين منذ زمن، كأنما كانت الحكومة تنتظر منهما مدداً ترفد به نهجها الشمولي!، أو لربما كانت جماعة مذكرة العشرة التي أصبحت الآن بفضل الشوكة السلطوية أكثر من جماعات المسيرات المليونية، تجهل مقدرة هذين التيارين في إجادة المناورات السياسية في سبيل تحقيق ما يبشران به من سودان قائم على المواطنة كأساس للحقوق والواجبات، تتوفر فيه الحريات وتسوده المساواة وعدالة اقتسام السلطة والثروة وتأسيس دولة الوطن في حمى القضاء المستقل. وهو سودان جديد ينهض على مرتكزات مؤتمر التجمع للقضايا المصيرية عام 1995، وديباجة اتفاقية الخرطوم للسلام في 1997، التي لم تخرج في أهم تفصيلاتها عن ورقة التجمع الوطني المعارض سالفة الذكر، بيد أن تنفيذها لم يتم طبقا لحيثيات الاتفاق بين الحكومة والفصائل الستة الموقعة معها.

في رأينا أن هذا اللقاء بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي، وبغض النظر عن صدقية دوافعه وغموض مراميه، يسلب الحكومة الكثير من مبررات وجودها ويبطل كل دعاويها بشأن ثوابت المشروع الحضاري، بعد أن تخلّى عنه أهل الجلد والرأس وأصبح مثار جدل لا حب بين أنصار المشروع نفسه فضلا عن بقية مدارس الإسلام السياسي في السودان.

من ناحية أخرى، فإن الحكومة قد خسرت رهانها في استمرار الأحوال على نهج سلطة الأمر الواقع، سيما أنها قد أنجزت انتخاباتها الرئاسية والنيابية من دون الالتفات لمناشدات المعارضة بالتأجيل، ومن دون اكتراث لمقاطعة هذه الانتخابات من غالبية الفرقاء السياسيين بمن فيهم أولئك الذين تطمع الحكومة في مشاركتهم في السلطة وتحقيق الوفاق السياسي الشامل.

إن المأزق الذي وقعت فيه الحكومة كبير ولا شك، وركونها لقوانين الطوارئ، لن يزيد الأمر إلا ضغثا على إبالة، والحال ان كفة المعارضة الآن أكثر رجوحا عن ذي قبل، فلا مناص للحكومة غير الاحتكام لصوت العقل ودواعي الحفاظ على مقدرات البلاد البشرية والمادية وذلك بالشروع في إجراءات قيام المؤتمر الدستوري الجامع وإتاحة الفرصة كاملة لكل الفعاليات السياسية في عرض رؤاها لحكم البلاد عن طريق الحوار المنتج بهدف الوصول إلى صيغة مرتضاة لسودان مستقر، ويسع جميع أبنائه من دون استئصال لأحد.