القمم العربية.. ماذا عساها أن تقدم للقضايا العربية؟

TT

خلال الأعداد السابقة وآخرها العدد رقم 8153 ليوم 2001/3/25، أتابع ما ينشر في الصفحة الثانية، وقد لفتت نظري كثرة المقالات والتحقيقات التي تدور حول الزيادات المتكررة في موازنة الدفاع الإسرائيلية ورفع مستوى التسلح وتكرار الاعتداءات على الشعب الفلسطيني والاغلاق المتكرر لمناطق الحكم الذاتي، وايضا ما يثار من تساؤلات حول شارون، هل هو سياسي سياسي أم سياسي عسكري. واسمحوا لي في هذه العجالة أن أوضح للقارئ الكريم بعض الحقائق لهذه المعطيات من منظور تاريخي معاصر.

أولا: بالنسبة لسياسة التسلح الإسرائيلية، فإنه لا يخفى على الجميع أن مستوى التسليح في الجيش الإسرائيلي يتم تحديثه سنويا بأعلى التقنيات والكفاءات المدربة على عمليات الهجوم والهجوم المضاد، لكن الثغرات الاستراتيجية التي تجعل من الجيش الاسرائيلي هدفا سهلا لأي قوة أخرى هي ضيق ووعورة المناطق التي يسيطر عليها والتي قد تجعل من حرب العصابات اداة تدمير فعالة لهذا الجيش، ومن هنا نفهم السبب الذي يجعل اسرائيل تهدف للتوسع في المنطقة. كما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتزويد الجيش الإسرائيلي بأسلحة الدمار الشامل والأسلحة المحرمة دولياً، كوفاء منها بالتزامها ضمان أمن الدولة العبرية.

بلغ إجمالي ما أنفقته إسرائيل على أنظمة التسلح منذ انشائها وحتى عام 1995 (147) مليار دولار، مجمل ما مولتها به الولايات المتحدة وحدها حوالي %80 من هذا الإجمالي تقريبا، وباقي النسبة موزعة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا ـ ألمانيا بالمناسبة لا تزال حتى تاريخ كتابة هذا المقال تسدد التعويضات التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية مقابل ما يسمى بمجازر الهولوكوست، لكنها خلال العشر سنوات الأخيرة لم تعد تذكر بشكل علني بل تقدم لإسرائيل على شكل معونات.

ساهمت الـ «سي آي إيه» بدعم الآلة العسكرية بالمعلومات الاستخباراتية عن أحدث الأسلحة التي تملكها دول المواجهة، حتى ما يصنع منها داخل تلك الدول، وتزويدها بقائمة دورية عن أهم الشخصيات العسكرية والمشاركة الجزئية في محاولات اغتيالهم.

ثانيا: بالنسبة لما يحدث للشعب الفلسطيني، فخلاصة القول إن شعباً يرى الشعوب والأمم الأخرى كحيوانات ما خلقت إلا ليسودها الشعب المختار، ويرى أن إبادة وتفكيك الحضارات الأخرى هو الخطوة الأولى نحو إنشاء مملكته الداودية، لحري به أن يفعل أكثر من ذلك.

وما أورده آرثر غنزبيرغ «أحد الحاخامات ـ وهو من تنسب إليه كتابة البروتوكولات» في أحد خطاباته: «متى ما ولجنا أبواب مملكتنا لا يليق بنا أن يكون فيها دين آخر غير ديننا فيجب علينا أن ننكس جميع الأديان الأخرى على اختلاف صورها». كذلك مقولة هرتزل الشهيرة «أفضّل أن آخذ فلسطين بالفتح وإراقة الدماء». فهي إذن رسالة يؤديها الجيل الجديد لزعماء صهيون وليست بدعة أو ظاهرة جديدة يتوجب البحث لها عن حل.

ثالثا: ارييل شارون، فمنذ تولي هذا الجيفة رئاسة الوزراء وجميع وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة تسارع إلى نشر سيرته الذاتية والبطولات التي قام بها وتكيل له الشتائم. وأريد أن ألخص سيرته بعدة أسطر ليست بذكر ميلاده ولا بلاده بل بأهم المراحل التي مرّ بها، وأراها من وجهة نظري شكلت شخصيته الحالية:

فشارون كغيره من رؤساء الحكومات السابقين ليس «سياسي سياسي» ولا «سياسي عسكري»، بل «إرهابي إرهابي»، فنشأته في مستوطنة كفار، اضفت على عقيدته صفة الشتات، التي ادت به في سن مبكرة للانضمام لمنظمة الهاغانا وبرع وابدع فيها حتى عيّن في حرب 1948 قائدا للكتيبة السادسة.

واستمر مسلسل التفوق العسكري الذي وصل به إلى حد التطرف، مما حدا بقيادة الجيش إلى إيقافه عن التدرج في الرتب حتى عام 1965.

وكان الدخول الفعلي له في المعترك السياسي عام 1972، بعد خروجه من الجيش.

وقد بزغ نجمه في عدة مسلسلات ومجازر دموية، من أبرزها قمع انتفاضة غزة عام 1970، وصبرا وشاتيلا عام 1982.

فهل ينتظر العرب السلام من هذا الرجل؟! إن آمال الشعوب العربية لا تزال معقودة على القمم التي تعقدها قياداتها، والتي كانت آخرتها قمة القاهرة التي أكدت لنا كشعوب خيبة أملنا في هذه القيادات وأظهرت جليا الانقسام الحاد في الصف العربي ولم يكن في القمة شيء يستحق الذكر سوى مبادرة المملكة السعودية بإنشاء صندوقي القدس والانتفاضة واللذين لا يزال حسابهما خاويا إلا من دولة الاقتراح.

إن الشعوب العربية مصابة بالاحباط الشديد تجاه نتائج القمم السابقة، التي لم تفرز سوى شعارات جوفاء وبروباكندا إعلامية، لم تلبث إلا قليلا حتى توارت خلف ظهور أصحابها.

إنني اقترح على القادة العرب إذا كانت قمة عمّان هي النسخة المعدلة من قمة القاهرة، عدم انعقادها حفظاً لماء الوجه على الأقل، وتوفير ما سيصرف على استقبال القادة واستضافتهم وتقديمه كتبرع للانتفاضة، فذلك خير من صدقة يتبعها أذى.

فإن التصريحات التي تصدر عن القادة عقب انعقاد القمم، تكون ذريعة لإسرائيل لتشديد الحصار على مناطق الحكم الذاتي، وكلنا يعلم النقص الحاد في المواد الأساسية والأدوية الذي تعاني منه هذه المناطق.

سؤالي: ماذا عساها أن تقدم هذه القمم؟