السودان.. الشمال العربي والجنوب المسيحي مصطلح مضلل

TT

ان تحديد المصطلحات تحديدا علميا دقيقاً يعتبر من المقدمات المنطقية. ومن هذا المنطق هناك مصطلح خاطئ من الالف الى الياء يستخدمه بعض العاملين في وسائط الاتصال داخل السودان وخارجه ونعني بهذا المصطلح الشمال العربي والجنوب المسيحي وينسى هؤلاء ان شمال السودان ليس به قبيلة واحدة بل هناك قبائل عديدة ومتعددة.

وإذا القينا نظرة على القبائل السودانية التي تعيش في جنوب البلاد سنرى العجب العجاب، هذه القبائل ليست بينها لغة مشتركة والتواصل بينها صعب بسبب المواصلات شبه المعدومة. وابرز هذه القبائل قبيلة الدينكا وهي من اكبر القبائل السودانية في جنوب البلاد التي ينتمي اليها جون قرنق وبونا ملوال وزير الاعلام والثقافة السابق في العهد المايوي وابيل الير نائب رئيس الجمهورية السابق في العهد المايوي ايضا، وكان من مهندسي اتفاقية اديس ابابا بجانب الدكتور منصور خالد الذي شغل مناصب عديدة في حكومة المشير جعفر محمد نميري، هذه الاتفاقية التي حققت السلام في ربوع السودان لمدة عشرة اعوام، وتعتبر من اعظم الاتفاقيات التي وقعت في القارة الافريقية لتحقيق السلام في السودان، ونسخ منها موجودة في منظمة الوحدة الافريقية والجامعة العربية والامم المتحدة.

بالاضافة الى قبيلة الدينكا هناك قبيلة النوير التي ينتمي اليها رياك مشار الذي كان من ابرز مهندسي اتفاقية الخرطوم للسلام، والذي شغل منصب مساعد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية. وقبيلة الشلك والقبائل الاستوائية التي ينتمي اليها الفريق جوزيف لاقو، الذي هو بدوره يعتبر من مهندسي اتفاقية اديس ابابا التي وقعت عام 1972 بحضور الامبراطور الراحل هيلاسلاسي وممثلي الكنائس العالمية، وشغل في حكومة الرئيس جعفر نميري منصب نائب رئيس الجمهورية وفي العهد الانقاذي منصب السفير المتجول.

من هنا نرى ان مصطلح الشمال العربي والجنوب المسيحي مصطلح خاطئ ومضلل، لا سيما ان الآلاف من المسيحيين يعيشون في شمال البلاد وفي مقدمتهم الاقباط الذين يعيشون في سلام ويساهمون في تنمية البلاد في الصعد كافة. ونظرا لثقافة السلام التي تعتبر من الثوابت السودانية، توجد في شمال وجنوب القصر الجمهوري كنيستان بالاضافة للكنائس الموجودة في مختلف ولايات السودان، وتوجد بجانب الاقباط مجموعة ضخمة من ابناء السودان الذين يعتنقون الدين المسيحي و99 منهم جاءوا من جنوب البلاد هذا بالاضافة لاخواننا المسيحيين الذي جاءوا من الدول الافريقية الشقيقة وهؤلاء المسيحيون يؤمنون ايمانا مطلقا بوحدة السودان ويشاركون اخوانهم في مختلف المناسبات ويتحدثون باللغة العربية ويعتزون بانتمائهم للسودان. ومن هنا نرى ان السودان الشمالي ليس به قبيلة واحدة وجنوب البلاد ليس به قبيلة واحدة بل توجد في شمال البلاد وجنوبها قبائل وبطون وأفخاذ عديدة ومتنوعة لا يتسع المجال كما ذكرنا آنفا لذكرها، لذا يجب علينا، لا سيما نحن العاملين في ميادين صناعة الكلمة وفي مختلف وسائط الاتصال، ان نحذف مفهوم الشمال العربي والجنوب المسيحي من قاموسنا الى الابد، وان نستبدل بمفهوم الشمال المسلم والجنوب المسيحي مفهوم سكان شمال البلاد وجنوب البلاد وغرب البلاد وشرق البلاد، وان تكون المواطنة هي الصفة الجوهرية التي تجمع بين السودانيين، وفي هذا المجال نود ان نذكر اولئك الذين لا يعرفون جغرافية قبائل السودان ان اللغة العربية بتوفيق من الله اصبحت هي الرباط القوي الذي يربط ابناء السودان كافة في شمال البلاد وجنوبه وغربه وشرقه. فإذا اجتمع سوداني ينتمي لقبيلة الدينكا في جنوب السودان وشمالي ينتمي لقبيلة النوبة فإن اللغة المشتركة بينهما هي اللغة العربية بينما اذا اجتمعت القبائل الجنوبية كافة فإن الاتصال بينها معدوم نظرا لعدم وجود لهجة مشتركة بينها. ومن هذه الزاوية، الدكتور العقيد جون قرنق لا يستطيع ان يتحدث مع سكان القبائل الجنوبية لانه يتحدث اللهجة الدينكاوية واللغة العربية والانجليزية بينما هو يستطيع ان يتحدث مع سكان الولايات الشمالية كافة باللغة العربية.