هل صحيح أن تقبيل يد الساسة لا يهين كرامة الأدباء

TT

أرجو شاكراً ومقدراً، نشر الرد التالي على ما جاء بعدد الخميس 2001/3/29، تحت العنوان أعلاه، بسبب ما أطلق عليه المحرر واقعة تقبيل الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري ليد سليم الحص رئيس وزراء لبنان السابق. وقد ألح المحرر على الشاعر الفيتوري للظفر منه باعتراف يعلن فيه أنه قام فعلا بتقبيل يد سليم الحص، كأنما تقبيل يد شخص نجلّه ونحترمه، يعد من المنكرات ومهين للأدباء في حالة الشاعر الفيتوري كما زعم المحرر.

لقد سبق للفيتوري الإعلان في هذه الصحيفة ـ والتي هي صحيفة العرب الدولية حقاً ـ تحت عنوان أنا كل هؤلاء «انه من أصل سوداني ويحمل الجنسية الليبية ووطنه هو مصر»، وعليه فإنه بتقبيله ليد شخص يكنّ له الاحترام والإجلال، يكون قد أتبع القول بالعمل في إثبات أصالته كسوداني، لأن عادة تقبيل اليد هي من العادات المعروفة في السودان، التي يُقدم عليها الصغير حين التقائه بالكبير، خاصة إذا كان من رجال الدين الذين يحرصون على سحب اليد للتعبير عن تواضعهم إذا تعرضوا لمثل هذا الموقف. هذا بالنسبة لعامة السودانيين، الذين عرفوا بوفائهم لكل من يظنون فيه الخير أو يجدون عنده أي نوع من المعاملة الكريمة، التي تفعل فيهم فعل السحر إلى درجة الأسر، وليس هذا إطراء لهم، لأن هذا النوع من البشر موجود منذ قديم الزمان، وقد جاء ذلك في قصيدة للمتنبي، حيث ورد:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وان أنت أكرمت اللئيم تمرّدا وإذا كان المحرر يرى في تقبيل اليد عيبا وإهانة، ولا يعتقد ذلك في تقبيل الخدين والجبين، كما ألمح إلى ذلك، فإنني لا أجد فرقاً في ذلك إلا أن اليد هي أنظف وأطهر ما في جسم الإنسان لأنه يتناول بها طعامه ويرفعها إلى السماء عند الدعاء وطلب الرحمة والمغفرة من الله تعالى. هذا بالإضافة إلى أن يد الإنسان هي أداته في تقديمه لكل ما يصدر عنه من خير وعمل طيب مع اعتماده عليها في دفاعه عن نفسه. وقد استعار الشاعر البليغ أمير الشعراء أحمد شوقي اليد من الإنسان عندما أراد تشبيه الوطن بالإنسان الخيّر المعطاء في قوله «وللأوطان في دم كل حر ـ يد سلفت ودين مستحق».

ختاماً، علينا أن نتذكر أن الرجل ديبلوماسي غير عادي، لأنه شاعر مرهف، وقد بعثت به حكومته إلى لبنان لما توسمته فيه من استعداد وقدرات على تحسين العلاقات بين البلدين. فرأى من واجبه أن يتعامل بأقصى درجات التعبير عن التسامح والتواضع، خاصة مع الذين وجد عندهم الاحترام والتقدير. وأنا من جانبي، على استعداد لتقبيل يد هذا الشاعر الفحل، إذا لم يكن لأي شيء آخر، فلديوان شعره الذي نظم فيه الأغاني لافريقيا، خاصة تلك القصيدة التي عبّر بها عن فرحته لتحرر القارة من الاستعمار والاستبداد..

أصبح الصبحُ ولا السجنُ ولا السجانُ باق وإذا الفجرُ جناحان يرفان عليه وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي...