انقلبوا على ميلوشيفيتش لأنه فشل في تحقيق «صربيا الكبرى»

TT

تعليقا على ما كتبه اياد أبو شقرا بصحيفتكم، العدد رقم 8163 بتاريخ 2001/4/4، تحت عنوان «مستقبل يوغوسلافيا أهم من ماضي ميلوشيفيتش».

من المثير واللافت للنظر، أن يتناول أبو شقرا ما ارتكبه ميلوشيفيتش من مجازر ويختزلها اختزالاً مخلاً في «سياسات خاطئة» من شأنها أن تحجب حقيقة حجم جرائمه البشعة التي لا يستطيع ـ كما نعتقد ـ حتى هو بنفسه أن يداري عليها بمثل هذا التبسيط. أليس ميلوشيفيتش هو الذي فجر وأشعل أربع حروب دامية كانت حصيلتها مئات الآلاف من القتلى الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، وقد بلغ نصيب البوسنة وحدها من تلك المجازر مائتي ألف قتيل وأكثر من مليون لاجئ ومشرد؟

وكما هو معلوم فضحته وكشفت عنه الحقائق اللاحقة للحرب البوسنية، فإنه لم يرسل أسلحة لمناطق الحرب فحسب، بل أرسل إليها وحدات مسلحة من الجيش الصربي مشكلة في بعضها من عتاة المجرمين نزلاء السجون الذين توجهوا إلى سلوفينيا والبوسنة وكرواتيا وكوسوفا وشعارهم الوحيد إبادة غير الصرب إبادة جماعية، وتدمير كل مقومات حياتها ومرافقها تدميراً شاملاً لإنشاء صربيا الكبرى. ولتحقيق الحلم، أحلّوا لأنفسهم من أساليب الإبادة الوحشية التي لا تحتملها مشاعر البشر الأسوياء، فشنوا حملاتهم، التي أسموها التنظيف العرقي، ومارسوا فيها كل فنون الإرهاب لزرع أكبر قدر من الخوف والفزع في قلوب العزّل لضمان فرارهم وتفريغ ديارهم، هذا فضلاً عن جرائم ميليشياته اللاإنسانية واللاأخلاقية المعروفة لدى الجميع، والتي لا تحتاج إلى تكرار، وهي جرائم أقل ما يمكن أن توصف به أنها أبشع جرائم هذا العصر ووصمة عار في جبينه.

وحقيقة مهمة يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا عند الحديث عن جرائم ميلوشيفيتش، وهي ان غالبية الصرب، والكنيسة الارثوذكسية، ومعظم القادة الحاليين ومنهم كوشتونيتسا وجينجيتش، كانوا من المؤيدين بقوة لخطته وتوجهاته الشريرة، وما انقلابهم عليه أخيرا إلا لفشله في تحقيق هدفهم في «صربيا الكبرى»، فادعوا انهم طلاب ديمقراطية واستغلوا الاوضاع الاقتصادية السيئة والمصاعب التي واجهتها بلادهم لتعبئة بقية الصرب للخلاص من معلمهم وقائدهم السابق، والدليل على زيف ادعائهم انهم لا يعترفون، بل ويعتبرون أن كل ما ارتكبه لا يرتقي إلى مستوى جرائم، بل مجرد مخالفات فساد وسرقة.

وبعد كل هذا، أليس من الغريب أن نطالب بإخلاء سبيل ميلوشيفيتش، الذي نصب كل تلك المجازر، ونغفر له ذنوبه، على الرغم من كل الجرائم البشعة التي تابعها وعايشها العالم بأجمعه لسنوات طوال؟ وهل كون مجرم حاكماً كان أو قائداً لبلد ما، يبرر له جرائمه ويبرّئ ساحته؟ وما هي تلك القوانين والقيم الإنسانية التي تبيح للحكام تعبئة وشحن شعوبهم بالنزعة العنصرية والعرقية لإبادة شعوب أخرى واغتصاب أوطانها وديارها؟ لذا فإننا نعتقد أن مثل هذه الدعوة لتبرئته، تدعو للحزن أكثر من دعوتها إلى الحق والعدل.

وإن كانت الدعوة فعلا دعوة إلى الحق، كان من الواجب عليها أن تطالب بتقديمه للمحاكمة الدولية لسببين، أولا ليكفّر عن ذنوبه وجرائمه المعروفة، وثانيا لمصلحة الشعب الصربي نفسه ليعرف حجم الجرائم التي ارتكبت باسمه، حتى يعود لوعيه ويأخذ العبرة من ذلك ويرتدع للمستقبل، ويبرئ نفسه من تهمة الجريمة الجماعية، وليتحمل المسؤولية الجزائية المذنبون من القادة والمحرضين ومرتكبي تلك الجرائم مباشرة.

أما يوغوسلافيا، التي اعترف الكاتب بصدر المقال بأنها الكيان الهش ـ على الرغم من اهتمامه لمستقبلها ـ فإنها حقيقة وفي الواقع غير موجودة الآن، لا سيما أن شعب الجبل الاسود، وبعد شهرين تقريباً، مقبل على استفتاء، والأرجح أن يختار استقلال بلاده عن الاتحاد اليوغوسلافي. وكما يبدو فإن الاتحاد، فقد ايضا، وإلى الأبد، جزءاً مهماً منه في كوسوفا، وبذلك يتجه بأسرع مما كان يتوقع للمستقبل الذي سعى إليه ميلوشيفيتش ومن سار معه.