مواجهة «صوت أميركا» بالتربية لا بالنقد

TT

قبل أيام أثير موضوع زيادة ساعات بث إذاعة «صوت أميركا»، الموجه إلى الشرق الأوسط وباللغة العربية الدارجة، مستهدفا الشباب ما تحت الثلاثين. ولقد رأى بعض المتتبعين، ان أميركا بهذا العمل تحاول توسيع كراهية الشعب العربي لها، وتأجيج نار حرب باردة جديدة، لأنها ترى أن برامج الإذاعات ومحطات التلفزة العربية تزرع الكراهية بين الشعوب العربية وأميركا.

مثل هذا الكلام يدفعنا إلى الاعتقاد بأن «صوت أميركا» يحيك خيوط المؤامرة تجاه الوطن العربي، إلى جانب إسرائيل. ربما يكون في الأمر نوع من الصدق، لكن ليس إلى درجة الحرب الباردة، التي يمكن أن تدخل فيها ادوات اخرى من اجل تفكيك اللحمة نهائيا. يمكن أن يكون في الأمر نوع من الاستقطاب الإعلامي، لكنه ليس بدرجة الاستقطاب الإنساني. انظر الى هجرة العباقرة العرب، ورأس المال العربي الذي هو أخطر من اي استقطاب.

وعين العقل، ألا يعطى لمسألة البث الإذاعي، حجم أكبر مما يستحق. وأن يتقبل إجراء أميركا بصدر رحب، ضمن إطار المنافسة الإعلامية البحتة، ومن دون حساسية زائدة. ولماذا لا يوجه البث إلى أميركا أو غيرها وباللغة التي يفهمونها؟

لقد أخذ العرب على عاتقهم، خاصة الإعلاميين، مسؤولية النهوض بالقطاع الإعلامي، خاصة من ناحية الجودة والتنوع لمقاومة المنافسة الإعلامية العالمية الشرسة، التي لن تكون فيها أي مساحة للمنغلقين على أنفسهم والذين يكرهون الانفتاح والأخذ برأي الآخر، كما لا يجب أن يغيب على الفكر أن العولمة أصبحت مظلة العالم وتحتها تدور رحى المنافسة في كل شيء بين الدول، وأن الدولة التي ستقدم الأحسن، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، هي التي ستكون موقع اهتمام الجنسيات بدون تمييز.

إن خير حصانة يمكن تقديمها للشعوب العربية، هي حسن التربية على المحافظة على الخصائص الثقافية والقيم الدينية والاخلاقية، وفتح كل المجالات أمام الجميع وعلى قدم المساواة لممارسة واجباتهم والتمتع بحقوقهم وإن النظرية الداروينية هي التي اصبح لها الاثر الاعمق في السنوات الأخيرة، بعد ان ضاقت الفجوة واصبح كل فرد مهدداً بالانقراض معنويا على الأقل، إن هو لم يحاول ان يطور نفسه بالبحث عن منافذ اخرى للبقاء عن طريق المعرفة على الاقل، ويبقى «الصراع» المحور والعامل الاساسي الكامن وراء صنع الحضارة وتقدم فكر الانسان، والتربية الصحيحة هي القادرة وحدها على توجيهه الوجهة الصحيحة نحو الأحسن، وليس الحذر من هذا أو ذاك.