بدو سيناء.. احتفالية «أربعاء أيوب» وسقوط الخرافة الشعبية

TT

تعقيبا على ما نشر بجريدة «الشرق الأوسط» الثلاثاء 10/4/2001، وعلى ما جاء بتصريحات اللواء/احمد عبد الحميد محافظ شمال سيناء، وايمانا منا بدور جريدة «الشرق الأوسط» في نشر الوقائع والحقائق، فإننا نورد ـ هنا ـ مظاهر هذه الاحتفالية حتى نجلو صدق حقيقة الروايات لتراثنا السيناوي المصري العتيق.

دأب بدو سيناء قديما على الذهاب للبحر تبركا; وتلك عادة توارثوها عن اجدادهم منذ اقدم العصور، وليس البحر ـ فحسب ـ هو مصدر الاعتقاد لدى سكان سيناء، فقد كانوا يعتقدون بالاحجار والاشجار والاولياء الصالحين والمفسدين على السواء، لذا ليس غريبا ان نشاهد البدو في مواسم الحج يرجمون الاولياء المفسدين، وتحديدا في «وادي الابيض» على بعد عشرة اميال من «خرائب العوجاء» على درب غزة، وكانوا يرجمونهم تشاؤما تارة، واعتقادا منهم بأن ذلك يدفع الارواح الشريرة عنهم، كما كانوا يتبركون بزيارة القبور ويقومون بتقديم الذبائح من ماعز وابل واغنام، ويبنون فوق هذه القبور قبابا واضرحة ومقامات، شفاعة لميت من جانب، ومن جانب آخر وفاء لنذر، او تمنيا لقضاء حاجة، او شفاء مريض، او زكاة عن انفسهم وراحة لاجسادهم وابنائهم واحفادهم.

اما مسألة التبرك بالبحر فكانوا يذهبون اليه، ويذبحون عنده الدبائح، ويعقدون خيامهم وخيولهم وابلهم واغنامهم، ويذهبون اليه في اوقات معينة من السنة، فيقومون بنحر الذبائح ثم يقومون بأخذ جلودها ورؤسها وارجلها فيقذفونها في البحر قائلين: «هذا عشاك يا بحر» ـ او هادا ـ ثم يقومون بطبخ باقي اللحم فيأكلون منه، ويطعمون المارة. وتلك عادة تقام كل عام وتحديدا يوم الثلاثاء قبل عيد «شم النسيم» ويسمى هذا اليوم «اربعاء ايوب» وقد اشيع ـ خطأ ـ ان سيدنا «ايوب عليه السلام» قد اقام في سيناء عند شاطئ البحر المتوسط واغتسل يوم «اربعاء ايوب» فبرئ من مرضه، وهي رواية تدحضها الآية القرآنية في قوله تعالى: «هذا مغتسل بارد وشراب» فكيف يكون البحر المالح فراتا يستساغ شربه؟! والحقيقة ان السكان هناك يذهبون اعتقادا منهم بأن هذا اليوم فيه شفاء، وبعضهم قد يشفى بالفعل، وذلك يرجع علميا ونفسيا الى صفاء النفس واخلاص النية لله تعالى، فهم لا يعتقدون بأن البحر هو الشافي، وانما «الله عز وجل» ـ وما البحر غير سبب للتقرب من الله تعالى، وفي هذا اليوم يقوم الرجال والنساء بالنزول للاستحمام، فينزل الرجال من الصباح وحتى قرب العصر، وتقوم النساء بعد العصر بالنزول بثيابهن حتى غروب الشمس، او بعده بقليل.. وهم يفعلون ذلك اما لشفاء من مرض عضال، واما للتقرب من الله تعالى والدعاء لشفاء النساء من العقم حتى يتم الحمل وانجاب الاطفال.

وقديما كانت قبائل «السواركة» و«البياضين» و«الأخارسة» يتمون هذه الزيارة بدون احتفال ويذهبون من المغرب حتى صباح اليوم التالي، ويذبحون من اي مكان على شاطئ البحر بين «رفح» و«الشيخ زويد» و«العريش» وليس عند ضريح «النبي ياسر» بالعريش فحسب، غير ان «البياضين» و«الاخارسة» من سكان مدينة «قطية» ـ قديما ـ كانوا ينزلون البحر عن «المحمديات» بالقرب من مدينة «الفرما» القديمة، وكانوا يحتفلون بهذا اليوم احتفالا خاصا فيقيمون الزينات ويتسابقون على الخيل والهجن، وتستمر الاحتفالات لمدة ثلاثة ايام، اما الآن فيذهب البدو والحضر بعد صلاة الظهر فيذبحون الذبائح تقربا لله، ثم لا يرمون جلودها ولا ارجلها او اي شيء من ذلك، بل توزع للفقراء. وليس البحر ـ كما اسلفنا ـ هو المعتقد الشعبي، وانما يفعلون ذلك مع الشجر فيزورنه تبركا، ففي مدينة «رفح» تزور النسوة شجرتي «سدر» تدعيان «المقرونتين»، ويقال لكل منهما «الفقيرة» ويتم نذر النذور لهما، ومتى جئن للزيارة فإنهن يضعن شيئا من آثارهن فيها، وينرنها «بسرج الزيت»، كما يوجد بطريق «لحفن» شجرة صغيرة تدعى «الطرفاء»، يزورونها، كذلك في صحن «قلعة نخل» توجد شجرة «سدر» يعتقدون بأنها «ولية» ويزورونها.

ومن الطرائف ان البدو ـ قديما ـ اعتقدوا بأن الارواح تجتمع في «بير القدس» ـ كما يقول «نعوم شقير» في كتابه «تاريخ سيناء» ـ فتذهب الارواح الصالحة الى الجنة، والشريرة للنار، ويحكي ان احدى البدويات فجعت في احد ابنائها فقالوا لها: ان روحه موجودة في البئر، فذهبت ووقفت عند حافة البئر، ونادت ابنها باسمه، فأجابها الصدى فلما سمعت الصوت ظنت ان ابنها يجيبها فألقت بنفسها في البئر وماتت.

اذا ما ذكر عن سيدنا «أيوب»، وانه جاء الى منطقة «البني ياسر» بالعريش وشفي عند نزوله البحر بالطبع غير صحيح، وما ذهاب البدو الا عادة واعتقاد بكرامات ذلك اليوم، وما البحر الا وسيلة للشفاء النفسي.

* متحف التراث السيناوي ـ عضو اتحاد الكتاب