السلام الشامل في المنطقة سيقود إلى حرب أهلية داخل إسرائيل .. والأفضل للفلسطينيين الفيدرالية

TT

قرأت على الصفحة الاولى لجريدتكم الغراء بعددها الصادر يوم 15 يونيو (حزيران) 2001، نبأ «انتقاد لعرفات..».

وأود كمغترب عاش خارج العالم العربي ما يقارب من اربعين سنة، ومن المتتبعين والدارسين لقضية النزاع العربي الاسرائيلي، ان اقول بأنه وبأخذ الاحداث الاخيرة على المسرح العربي بنظر الاعتبار، لا يحق لأي دولة عربية أو زعيم في المنطقة ان يوجه النقد واللائمة إلى ياسر عرفات، أو إلى السلطة الفلسطينية.

واقول هذا على الرغم من انني لست فلسطينياً، ولا من المعجبين بسياسة السلطة، حيث انني اعتقد بأنها قد ارتكبت اخطاء كبيرة في العقد الماضي في طريقة التفاوض مع اسرائيل.

وهنا اود ان اقول، بأن هذه الاخطاء ممكن ان ترتكب من قبل اي زعيم عربي او مواطن عربي، لأنه وللأسف الشديد لدينا نحن العرب ثقة كبيرة بالأقوال والوعود التي يقدمها لنا الغرب، خاصة الولايات المتحدة الاميركية، وهذا ينطبق على جميع الميادين ليست فقط السياسية. وهذه الثقة العمياء تنبعث كما يقال في علم النفس عن داء عدم الثقة بالنفس والاعتقاد الخاطئ بأن الغرب يعرف أحسن.

وأعود ثانية إلى الانتقادات الموجهة إلى عرفات وأقول بأن «أبو عمار» ليس له مخرج إلا ان يقبل بما تطرحه عليه الادارة الأميركية في هذا الوقت لأن العرب في هذه الفترة اثبتوا عدم قدرتهم على تغيير اي شيء لصالح الفلسطينيين سواء كان من الناحية العسكرية او المالية او الديبلوماسية، فالجيوش الوهمية التي قالوا لنا بأنها تقف على أبواب القدس لتدافع عن الحق الفلسطيني ما كانت الا شيئا من الخيال، والملايين من المساعدات المالية لم يصل منها إلا الرذاذ. وفوق هذا العرب ليس لهم اية قوة لاجبار اسرائيل على الانسحاب.

اننا كعرب نخدع انفسنا بالشعارات والعبارات البراقة حتى ان مثقفينا الذين لهم علم بجذور القضية الفلسطينية والتفكير الصهيوني اصبحوا يرددون عبارة «مسيرة السلام» وكأنها نوع من التراتيل، على الرغم من معرفة الجميع بأن الجانبين العربي والاسرائيلي لا يؤمنان بهذه المسيرة وبشيء اسمه «سلام» بين العرب والصهاينة فقد قبلها ويرددها العرب لأنها تبرر وتغطي على ضعفهم العسكري وعدم مقدرتهم النفسية والاستراتيجية لخوض اي معركة مهما كانت صغيرة مع اسرائيل.

اما اسرائيل فإنها تتكلم عن السلام لأنها تريد أن تخدع العالم بأنها دولة مسالمة محاطة باعداء اقوياء وهذا ابعد شيء عن الحقيقة، تعرفه اسرائيل ويعرفه حلفاؤها.

ان السلام الكامل والشامل في نظري ونظر العديد من الذين لهم معرفة بالتفكير والفلسفة الصهيونية هو اكبر خطر يهدد كيان وبقاء دولة اسرائيل، والسبب هو ان اسرائيل دولة قائمة على اساس عنصري تقطنها اجناس متعددة الاطراف ذوو حضارات ولغات وثقافات مختلفة ومتناقضة تحاول الصهيونية صهرها في بوتقة واحدة، لكن تحت سطح الوفاق اليهودي هناك صراع بين الجناح العلماني في الدولة العبرية والجناح الديني المتعصب الذي تطغى عليه تيارات العنف الديني التي جلبها اليهود الاميركان، وهذا الصراع سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك دولة اسرائيل. وانني اعلم علم اليقين بأنه اذا اصبح هناك سلام شامل ولو بأعجوبة فإن اسرائيل سوف تشهد حرباً اهلية قاسية بين اليهود انفسهم في اقل من عقد من الزمن. ومفكرو الصهيونية العالمية هم على علم بهذا المصير لهذا يحاولون جهد وسعهم الإبقاء على عدو خارجي دائم يوحد اليهود، وحتى لو فرضنا بأن السلام سوف يعم المنطقة فإن الصهيونية ستسعى جهدها لإيجاد عدو جديد كي تضمن البقاء لدولة اسرائيل، وهذا شيء يجب أن نتذكره دائما عندما نتعامل مع الصهاينة.

اما لاخواني الفلسطينيين فأود أن أقول بأن ما أخذ بالقوة لا يمكن استعادته كاملا الا بالقوة وطاولة المفاوضات قد تحصل على شيء، لكن ليس الحق الكامل. واسرائيل تعلم بأن الجلوس حول مائدة المفاوضات تعود اسبابه إلى ضعف العرب وقوة اسرائيل، لأن التحديات الاسرائيلية الاخيرة ضد دول عربية لم تجلب اي جواب او رد عسكري يوقفها عند حدها.

انني انصح الأخوة الفلسطينيين وقلبي مليء بالحزن أن الحل الوحيد الذي سوف يجلب لهم الراحة والرفاهية والتقدم والعمل والأمان والاقتصاد المنتعش هو النظر غرباً والتعايش مع دولة اسرائيل عن طريق نظام فدرالي وبحكم ذاتي واني اقولها بصراحة بأنه اذ بقي الفلسطينيون يعتمدون على «اشقائهم» العرب فهذا سوف لا يجلب لهم سوى البؤس والتأخر والموت لان الاشهر الثمانية الماضية كانت اكبر دليل على صحة ما اقول به الآن.