ثورة الشباب الأوروبي.. صورة أخرى على خلفية مؤتمر غوتبورغ

TT

ان معظم ما كتب حول مؤتمر الاتحاد الاوروبي في غوتبورغ في منتصف هذا الشهر، كان يدور حول دور الدولة الضيفة في هذا المؤتمر والتركيز على توسيع الاتحاد الاوروبي بأعضاء جدد من الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي سابقا، والتركيز على اعضاء فترة معينة حول هذا الموضوع تمتد لفترة اربع سنوات، وكذلك على محاولة اقناع الرئيس الاميركي جورج بوش بالتوقيع على اتفاقية الحد من التلوث وما يصاحبها، وكذلك البند المتعلق بقضية الشرق الاوسط، الذي لم يكن اكثر من نداء اورو ـ اميركي لوقف الانتفاضة التي يعتبرونها من اعمال «الارهاب» الموجهة ضد الدولة العبرية، والحساسية الشرق اوسطية لم تكن لتسمح بأكثر من هذا النداء او ما يسمى بـ «التوصية» الاورو ـ اميركية.

لكن هناك قراءة مغايرة تماما لما جرى اثناء انعقاد المؤتمر، فقد تدفق آلاف الشباب من الدول الاسكندنافية المحيطة، ومن دول اوروبية اخرى تحت ذريعة التظاهر ضد وجود الرئيس الاميركي بوش، لكن ما جرى حقا هو انتفاضة حقيقية ضد الزعامة الاوروبية وضد الديمقراطيات الكاذبة التي تعد بتحسين الاحوال المعيشية للشباب الاوروبي الذي يعاني من مشاكل الكحول وانتشار المخدرات بشكل اصبح يهدد المجتمعات الاوروبية بأسوأ العواقب في المستقبل القريب.

وعندما يرى الشباب الاوروبي ان الملايين من الدولارات تذهب فقط لبناء الفنادق الفخمة لاستقبال الزعماء وحاشياتهم، وان عشرات بل مئات الملايين ترصد فقط لشراء الكماليات والهدايا ووسائل الترفيه لزعماء دولهم، وهم (الشباب الاوروبي) يعانون من اسوأ انواع البطالة وقلة المساكن وغيرها من المشاكل التي تضخها ديمقراطيات بلادهم في عقول الشباب الذي يعاني اصلا من مصائب الكحول والمخدرات.

والسؤال الذي يطرح نفسه، والذي يطرحه رجل الشارع الاوروبي حول البند المتعلق بتوسيع نطاق الوحدة الاوروبية، بضم عدد جديد من الدول التي كانت تستظل بالمظلة السوفياتية، والموضوع الذي يثير الجدل في الشارع الاوروبي هو موضوع البطالة التي يعانيها المجتمع الاوروبي وكيف يكون ذلك ممكنا او معقولا عندما تفتح الاسواق الاوروبية امام ايد عاملة تعد بالملايين قادمة من الدولة الاوروبية «الجديدة العضوية»، كيف يكون هذا مستساغا لدى رجل الشارع الاوروبي، فالملايين العاطلة عن العمل في اوروبا، التي شبعت من الوعود الكاذبة بخلق فرص عمل جديدة، كيف يكون هذا ممكنا عندما يغرقهم طوفان من ملايين الايدي العاملة في الدول المجاورة؟

هذا كله جعل الشباب الاوروبي الذي اجتاح مدينة غوتبورغ السويدية يتمرد على ديمقراطيات بلاده الزائفة التي تعده عبر عشرات المؤتمرات ومئات البرامج التلفزيونية، بحياة اكثر رفاهية ومستقبل اكثر ازدهارا. لم يكن امام هؤلاء الشباب الذين يعدون بالآلاف سوى اجتياح المدينة السويدية، وتدمير جميع ما يواجهونه في طريقهم من مدارس ومتاجر ومؤسسات وكان ذلك بالفعل انتفاضة بالمعنى الحقيقي للكلمة وعلى مدى ايام المؤتمر الثلاثة، وجاء في احصائية اولية للخسائر التي وقعت اثناء ايام المؤتمر حوالي 100 مليون كرون، وما كان فعلا لافتا للنظر هو عدم نجاح قوات الشرطة السويدية في السيطرة على الوضع، والاحساس بالفشل والاحباط الذي منيت به تلك القوات، سيترك اثرا عميقا في ذلك الجهاز على المدى البعيد. وقد سجلت العديد من اجهزة الكومبيوتر رسائل تهديد من عدة جهات شبابية اوروبية بتخريب أي مؤتمر قادم وفي أي عاصمة اوروبية.

هل يتجرأ القادة الاوروبيون على دراسة هذه الظاهرة الجديدة ووضع الحلول الجذرية لها قبل ان تقوم هي بفرض الحلول التي تراها مناسبة، ام هو الخوف من تشويه صورة الديمقراطية التي يتغنون بها، يجعل من هذا الامر مستحيلا؟