دوفيلييه.. هذا الروائي الفرنسي الذي يحبه العرب

TT

* من الدكتور الياس معلوف ـ أمين عام اتحاد منظمات اطباء الأسنان العرب سابقاً لقد استوقفني خبر صادر في الصفحة 3 من جريدة «الشرق الأوسط» الغراء تاريخ 2001/6/22م، حيث ظهرت صورة للروائي الفرنسي جيرار دوفيلييه، اثناء لقائه بعض المسؤولين الفلسطينيين في غزة، محاطاً بعناصر مسلحة، ملثمة ومدججة بالسلاح. يقدم المقال فكرة عن رواية تحمل اسم «ارماغيدون»، وهي الثانية والاربعون بعد المائة حسب الخبر المذكور، في سلسلة مغامرات «الأمير مالكولنج» أو SAS، عميل الاستخبارات الاميركية، الذي يحبط استناداً إلى الرواية المقبلة عملية اغتيال ياسر عرفات على ايدي اعضاء في حركة «حماس»، مخترقين من اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، بناء على خطة وضعها ارييل شارون. توخياً للدقة فان رواية «ارماغيدون» سوف تحمل الرقم 143 وليس الرقم 142 الذي كان من نصيب رواية سابقة كتبها دوفيلييه تحت عنوان: «اقتلوا البابا». ويتحدث مكتب «الشرق الأوسط» في باريس عن دوفيلييه قائلاً: «وبكل تواضع يشرح جيرار دوفيلييه بأنه ليس اكثر من روائي يقوم بعمله بكل دقة». عودة سريعة إلى رواياته السابقة والمتعددة، يتبين لنا أن جيرار دوفيلييه كاتب فاسق مأجور معاد للعرب والمسلمين بشكل خاص، ويمكنني ان اورد مئات الامثال والشواهد على ذلك، في كتاب له صادر عام 1986 تحت عنوان: «خطة ناصر» يعمد الليبي عزيز عبد اللّه حسب الرواية المفخخة، بالتعاون مع تاجر السلاح السوري سمير حساد، على محاولة تفجير النفق الواقع تحت نهر الهيدسون بغية اغراق مدينة نيويورك وايقاع مئات الآلاف من الضحايا الابرياء عشية عيد الاستقلال الاميركي الذي يقع في الرابع من شهر يوليو (تموز). وينجح «الأمير مالكو» بطل دوفيلييه الخيالي في افشال «المخطط الارهابي العربي» بناء على معلومات حصلت عليها السلطات الاميركية من جهاز الاستخبارات الاسرائيلي. ويبقى جيرار دوفيلييه ينفث سمومه عبر رواياته إلى ان نصل إلى كتابه الذي يحمل عنوان «الجهاد» الذي يحمل الرقم 139 حيث تقول امرأة باكستانية تنتمي لاحدى «الجماعات الاسلامية المتطرفة»، إلى العميل الاميركي وليم غرين بعد القاء القبض عليه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، انني احكم عليك بالموت»، وتقدم على قتله بطريقة وحشية تجعل القارئ الفرنسي يشمئز ويشعر بالحقد على الاسلام والمسلمين والعرب أجمعين، وهذا بيت القصيد. تدور الرواية حول شراء قنبلة نووية مصغرة SADM وتفجيرها في مدينة اميركية بهدف ايقاع مئات الآلاف من الضحايا وذلك بواسطة المدعو حسين قداد الذي يصفه الكاتب في الصفحة 54 بأنه «سعودي وهابي متعصب ومتوحش». ثم يتوعد المقاتل الشيشاني المسلم جوكار المواطنة التركية التي تعمل مع الاميركيين بالقتل قائلاً: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، سوف اقطع عنق هذه المرأة، انني اقسم بذلك على القرآن الكريم»، ثم يتسلل إلى شقتها صارخاً: «اللّه أكبر»، ويتوالى على طعنها بحقد ووحشية في رأسها وعنقها وجسدها، ثم يترك مسرح الجريمة قاصداً احد المساجد «ليقدم عمله الصالح إلى اللّه تعالى»، وذلك في الصفحة 96. وتكمل الرواية على هذا المنوال، وتتردد اسماء أحمد المالي ويوسف محمد وحسن كامل وغيرهم، بغية تشويه سمعة العرب والمسلمين، إلى ان يتم في اللحظة الاخيرة، وكما في كل مرة افشال «المخطط الدموي الارهابي العربي المسلم» على يد الأمير النمساوي مالكو لنج بطل دوفيلييه الخيالي. ويمعن هذا الكاتب المأجور في تشويه صورة الانسان العربي ويميزه بضآلة العقل وضخامة الكرش، ويظهره دائماً في مظهر الارهابي المتوحش، اللا اخلاقي، الذي يتكلم اللغات الأجنبية بطريقة بدائية، والذي يتعاطى الكحول والمخدرات والمحرمات على اشكالها. ولا ينس دوفيلييه المرأة العربية التي يصورها مكبوتة حيناً وعاهرة احياناً، ويسترسل في وصف مغامرات اميره النمساوي العاطفية مع بعض العربيات بطريقة بذيئة رخيصة، من عمان إلى طرابلس إلى بيروت والقاهرة وغيرها من حواضر العرب.

يقول الدكتور قسطنطين زريق في سيرته الفكرية: «لمست في المجتمع الاميركي تشنيعاً لصورة العرب وانحيازاً ضدهم، وظلت الصورة العدائية حولهم سائدة في المجتمعات الغربية، وعلى عكس ذلك عمد اليهود الذين كانوا قد تسربوا إلى هذه المجتمعات إلى تمكين جذورهم فيها ونشر نفوذهم في مختلف اوساطها وقطاعاتها». هذا ما عمل عليه اليهود منذ تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الذي قال: «علينا ان نشكل جزءاً من السور الأوروبي ضد آسيا، ومخفراً امامياً للحضارة بوجه البربرية. اننا نعود كممثلين للحضارة الغربية، وسندخل النظافة والنظام وعادات الغرب الاصيلة إلى هذه البقعة الفاسدة من الشرق».

لقد عملت الصهيونية العالمية على تشويه صورة العرب. ودرج قادة اسرائيل على تذكير العالم باطلاً بأن بلدهم الصغير واحة من الديمقراطية في صحراء سلطوية عربية قاحلة، مما دفع مجرم الحرب شارون إلى القول بوقاحة: «ان اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». كل هذا والعرب في غيبوبة.. تثور ثائرتنا بضعة ايام أو بضعة اسابيع بعد كل مجزرة صهيونية في حق اهلنا. ثم نطوي الصفحة السوداء، ونستعيض عن مرارة الذكرى بحلاوة النسيان، فلا نلاحق دعوى أو نتابع شكوى أو نتشبث بحق أو نطالب بتعويض. ماذا فعلنا بعد كل المجازر التي ارتكبت في حق اهلنا وشعبنا؟ ماذا قدمنا لجميع الذين تصدوا للفكر الصهيوني، من روبير فوريسون، وصولاً إلى الأب بيار ورجاء غارودي؟ بكل فخر واعتزاز، ان قشعريرة الاحساس بالعز التي انطلقت من لبنان لتجتاح الجسد العربي المخدر بنصف قرن من الأحزان والآلام واليأس، هي المثال الذي يجب ان يحتذى، بعد ان أبى الشعب اللبناني ان ينتقل من الرفض إلى القبول، من المقاومة إلى المساومة ومن الكفاح إلى الاعتراف. ان اسرائيل دولة تطفو وسط بحر من الكراهية، مما جعل المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفنغ يقول: «على اليهود ان يسألوا انفسهم لماذا هم مكروهون إلى هذا الحد منذ القدم وفي كل مكان؟ نعم، ان المشكلة ليست فقط مع قادة اسرائيل، ولكن مع الشعب الاسرائيلي الذي رضع مع الحليب سموم الحقد والثأر والتعالي، والذي سرت الكراهية في عروقه بدلاً من الدماء، يقول الرئيس بشار الاسد: «ان شارون وصل إلى السلطة بارادة الشارع الاسرائيلي الذي يبقى عنصرياً ومتطرفاً ولا يريد السلام». وتقوم قيامة الصهاينة، ويُستعمل سلاح معاداة السامية التي قال عنها الدكتور صموئيل جونسون: «حجة العداء للسامية هي الملجأ الاخير للقذارة اليهودية».

ان المجتمعات التي تؤسس حضارات عريقة قد تتعثر وقد تسقط أمام غزوات همجية، لكنها تنهض بسهولة اكبر اذا تجسدت تقاليدها الفكرية بمؤسسات توجه فعاليتها نحو مثل عليا تحقق الاهداف الاستراتيجية. انها معركة المصير بوجه العدو الذي ما انفك منذ خمسين سنة يعرض العضلات ويجترح المعجزات في اذلال هذه الامة وتمريغ انفها في حضيض المهانة. ولا يقولن احد ان في الأمر مؤامرة علينا، لاننا لو كنا كما يجب ان نكون لما تجرأ مخلوق ان يتآمر علينا، وعلى الامة العربية جمعاء ان تتحمل مسؤولياتها لكي تبرئ ذمتها امام اللّه والتاريخ. ها هي هوليوود تغير احداث فيلم SUM OF ALL FEARS بعد ضغوط من اللوبي المسلم في اميركا، وها هي «اميركا اون لاين» تغلق موقعها على الإنترنت بعد ان اتهمها رئيس جامعة الأزهر «بالعدوان على التراث الانساني»، بعد نشرها آيات محرفة من القرآن الكريم. وها هي إدارة مؤسسة «لاروس» الفرنسية تغير معنى كلمة «اللبننة» بعد تهديدها من قبلنا باللجوء إلى المحاكم الفرنسية بتهمة الاساءة إلى لبنان. وها هو المحامي الفرنسي ايلي حاتم، اللبناني الاصل، يكسب دعوى ضد «اللوبي اليهودي» في فرنسا، في دفاعه عن BENOIT FLEURY الذي قال يوماً: «ان الانتفاضة ضد الصهيونية يجب ان تعم كل انحاء العالم اسوة بفلسطين».

يبقى علينا ان نسأل انفسنا: هل نبقى جيلاً مريضاً نشأ في العبودية وتركت السياط في ظهره انفاقاً؟ هل نبقى جيلاً مقلداً لكل ما هو غربي وغريب عن تراثنا وثقافتنا؟ هل نتخلى عن عقدة الدونية وننظر إلى دوفيلييه وامثاله من اصحاب الاقلام المأجورة، نظرة واقعية خالية من الاحترام والتعاطف؟ هل نفهم ان العرب مثل غيرهم، اخذوا واعطوا: تعلموا وعلموا، تألقوا وابدعوا؟ عسى رواية جيرار دوفيلييه المقبلة «ارماغيدون» لا تشابه سابقاتها في المس بكرامة العرب وثقافتهم وتراثهم وايمانهم.

ولا ننسى المثل القائل: «اذا رفعت احداً فوق قدره، فتوقع منه ان يحط منك بقدر ما رفعت منه».