ضحايا الطائرة المصرية في انتظار ما تسفر عنه التحقيقات في أميركا ومصر

TT

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها رقم 8270 تاريخ 2001/7/20 خبراً بعنوان: (محامي أسر ضحايا «البوينج» يهدد بمقاضاة «مصر للطيران» ويتهم سلطات التحقيق المصرية بإخفاء مستندات حول الحادث)، وقول محامي أسر الضحايا إنهم فوجئوا بمواقف غريبة للشركة تناقضت تماماً مع التصريحات النارية التي ظلوا يرددونها حول إمكانية إثبات مسؤولية الخلل الفني في مجموعة ذيل الطائرة.

في فجر 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1999، اختفت طائرة (البوينغ 767) التابعة لشركة مصر للطيران والتي كانت تحمل رقم الرحلة 990 بعد إقلاعها من مطار جون كندي في نيويورك بـ 41 دقيقة، وكان على متنها 214 راكباً، ثم أعلن أنها سقطت مقابل سواحل (ماساشوستش) جنوب جزيرة (نانتكت). وبدأت لجنة (إن تي إس بي) الأميركية توجيه الأنظار مبكراً إلى نظرية عمل إرهابي، وانهم حاولوا جاهدين ايجاد سيناريو جاهز مسبقاً لتحميل مصر للطيران مسؤولية سقوط الطائرة. وأعلن نائب المدعي العام الاميركي اريك هولد أن موضوع سقوط الطائرة سيحال إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، وقال إن أول فريق مصري مكون من خبراء وفنيين ومسؤولين امنيين كان قد وافق على فرضية الانتحار قبل أن ترفض هذا القاهرة التي سارعت إلى ارسال فريق آخر بقيادة لواء في سلاح الجو، والذي صرح في الولايات المتحدة الأميركية أن مصر ترفض نظرية الانتحار جملة وتفصيلاً، وتأزم الوضع سياسياً بين الدولتين.

ثم نشرت صحيفة «بوسطن غلوب» قبل بدء البحث عن الصندوق الأسود ـ ومن المعلوم أن الصندوق الأسود الثاني انتشل بتاريخ 5 ابريل (نيسان) 2000، أي بعد سقوط الطائرة بستة أشهر تقريباً ـ إن الشرطة الأميركية الاتحادية تحقق في تصرفات أحد أفراد طاقم الطائرة، حيث أوردت أن أحد مساعدي الطيار اتصل بزوجته من نيويورك قبل توجهه إلى الطائرة ليخبرها بأن شيئاً ما ليس على ما يرام في الطائرة، وأن فرداً آخر من الطاقم تعمد ترك مبلغ من المال ورسالة لعائلته قبل التوجه إلى مطار جون كندي. بدأ الشك أولاً باثنين من أصل أربعة من أفراد الطاقم المكون من قائد الطائرة أحمد الحبشي ومساعده حاتم علي رشدي ومساعده الطيار عادل أنور والمساعد الآخر جميل البطوطي، وكان الاتهام الأخير للبطوطي بسبب جلوسه في مقعد الطيار أحمد الحبشي قبل الموعد المقرر له، وزعم مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه بعد مغادرة قائد الطائرة القمرة بفترة وجيزة تعمد البطوطي حل الطيار الآلي وسمع صوته وهو يقول (توكلت على اللّه) وكررها ثماني مرات ـ بينما قالت مجلة «نيوزويك» إنه كررها 14 مرة ـ ثم صوت قائد الطائرة الحبشي وهو يقول للبطوطي (إنت بتعمل إيه). ونشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر بتاريخ 2000/8/13 النص الحرفي الرسمي لتسجيلات الحوار الذي جرى في قمرة القيادة قبل سقوط الطائرة يظهر أن البطوطي قال كلمة «توكلت على اللّه» 11 مرة ثم بدأ انحدار الطائرة الشديد من علو 33 ألف قدم إلى أقل من 17 ألف قدم، وجاء دفاع هيئة مصر للطيران حول هذا الموضوع أن البطوطي لو أراد أن يسقط الطائرة عمداً لكان انتظر دوره في قيادة الطائرة إلى أن تصبح الطائرة في منتصف المحيط وبعيدة كثيراً عن شاشات الرادار، وكان من الصعوبة بمكان اكتشاف أي أثر لما حدث في الحقيقة. الأمر الآخر أن البطوطي لو أراد إسقاطها لكانت هناك طرق أسهل من ذلك منها أنه كان بإمكانه إمالة الطائرة بحيث يصبح الجناحان متعامدين مما لا تستطيع الطائرة معه أن ترتفع أبداً.

وبدأ دفاع الهيئة المصرية للطيران يدور حول العطل الفني لذيل الطائرة، حيث اكتشف الخبراء الأميركيون ان ذيلي الطائرة باتجاهين متعاكسين. فرد عليهم فريق التحقيقات الفيدرالي الأميركي أن السبب في ذلك هو الخلاف الذي تم في قمرة القيادة بين قائد الطائرة الحبشي ومساعده البطوطي فكل منهما يريد سحب الدفة بعكس اتجاه الآخر. ثم إن أحدهما أطفأ محركات الطائرة مما جعلها تعود للصعود قليلاً ثم تنشطر بعد ذلك نتيجة الضغط المفاجئ، عدة أجزاء وتهوي إلى المحيط. وأوردت الصحف أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أخفت بعض التفاصيل التي لم تؤكدها ولم تنفها الحكومة المصرية إلى الآن، حيث كشفت بعض المصادر أن شحنة أسلحة متطورة كانت بحوزة الضباط المصريين وعددهم 33 ضابطاً بينهم اثنان برتبة لواء والعديد منهم يحملون رتبة عميد كانوا على متن الطائرة المصرية التي توقفت في أحد المطارات العسكرية بقاعدة (إدواردز) الجوية بولاية كاليفورنيا بحجة هبوطها اضطرارياً لاكتشاف خلل بها، حيث تم تزويدهم بهذه الشحنة، وأعلن البنتاغون آنذاك أن بعض الضباط دخل الطائرة من دون تذاكر، وأعلن كذلك أن بعضهم كان في زيارة سرية للولايات المتحدة الأميركية، والمؤسسة العسكرية المصرية لم تؤكد هذا الموضوع ولم تنفه، وكان هناك تعتيم إعلامي واضح من طرف السلطات المصرية تجاه هذا الموضوع. وروى طيار ألماني كان يحلق بطائرته غير بعيد عن الطائرة المصرية أنه شاهد صاروخاً أميركياً يضرب ذيل الطائرة. كما أكد هذه الرواية بحذافيرها طيار أردني كانت طائرته تمر قريبة من الطائرة المصرية. وقال رئيس الهيئة الوطنية لسلامة النقل في الولايات المتحدة جيمس هول إن قائد الطائرة ملزم بتشغيل طيارها الآلي في الرحلات الدولية ليدعه يقودها لساعات طويلة فما الذي حمل مساعد الطيار على فصل هذه الإمكانية، ولو كان هناك عطل فني لكانت أجهزة الصندوق الأسود الحساسة قد سجلته مسبقاً، إلا في حال تفجير صاروخ أو انفجار في قمرة القيادة وهذا ما لم يحصل. فالأجهزة كانت تسجل كل التغييرات الفنية التي طرأت على الطائرة حتى آخر ثانية، فرد عليه مصدر مسؤول في هيئة الطيران المدني المصرية: إن ما حدث من تهشم لجزء في الصندوق الأسود المنتشل أمر مشكوك فيه ونادر الحدوث، فهو مصنع ليقاوم كل أنواع الصدمات والانفجارات. واسترسلت الولايات المتحدة في هدم صورة البطوطي وبث الريبة والشك في أخلاقه، حيث قالت إنه تحرش جنسياً بفتاتين في فندق بنسلفانيا في نيويورك، حيث كان يقيم، وإنه شوهد يحتسي المشروبات الكحولية هناك. ثم صرح مسؤول في هيئة الطيران المدني المصرية أنه منع من الاطلاع على معلومات حول الحادث صنفت بأنها سرية للغاية مفادها أن أحد الرادرات أعطى إشارات تظهر أن هناك أجساماً ذات سرعة عالية مرت قرب مسار الطائرة. كما أن التسجيلات الأخيرة بين برج المراقبة الجوية والطائرة اختفت ولم يبق لها أثر.

صرحت صحيفة «الواشنطن بوست» أن مكتب التحقيقات الفيدرالية يماطل بموضوع التحقيق في الطائرة لاعتبارات سياسية عليا، منها أن مصر دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركية، كما أنها مصدر معلومات ثمين للمعلومات الاستخبارية حول الإرهاب الإسلامي والعربي. وصرح كيث هولواي المتحدث باسم المكتب الوطني لسلامة النقل بعد عام من سقوط الطائرة أنه لم تتحدد إلى الآن أسباب سقوط الطائرة وأنهم لن يعيدوا بناء هيكل الطائرة من جديد كما حدث في طائرة (تي دبليو إيه) التي انفجرت يوم 1996/7/17 لأنه من المستبعد وجود عطل ميكانيكي.

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها رقم 8096 بتاريخ 2001/1/27 خبراً بعنوان «وفد المحققين المصريين قبل صيغة تحمل طاقم الطائرة مسؤولية عدم حسن التصرف في الثواني الأخيرة»، وتوقع أن تطوي مصر للطيران الحادثة وتستجيب لنتيجة التحقيق وتترك العمل لشركات التأمين على أساس مسؤوليتها. ودفعت مصر مبلغ 10.6 مليون دولار من أصل مبلغ قيمته 17 مليون دولار تكلفة تحقيقات الطائرة. وصرح المهندس محمد فهيم ريان رئيس مؤسسة مصر للطيران بعد عودته من نيويورك أن المؤسسة حصلت على قيمة التعويض الخاص بالطائرة المنكوبة والذي يبلغ 53 مليون دولار، وقد منحت بعض أسر الضحايا جزءاً من هذا المبلغ وطار الباقي، رغم أن شركات التأمين كانت قد حددت مبلغ 160 ألف دولار لكل فرد مصري، أما الأجانب الذين كانوا على الطائرة فإن أسرهم لم توافق على هذا التعويض وتطالب بالملايين. ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر مكرمة الأمير الوليد بن طلال لكل أسرة منكوبة بمبلغ عشرة آلاف جنيه مصري.

إن إثبات وجود خلل فني في الطائرة يعني أن الشركة المصنعة للطائرة ستدفع مبالغ ضخمة كتعويضات تأمين للضحايا ربما تصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار كما حصل مع الشركة السويسرية التي سقطت طائرتها عام 1998، وبالعكس إذا ما ثبتت نظرية انتحار البطوطي فإن مصر للطيران ملزمة بدفع هذه المبالغ مما يعني تفليس الشركة. لماذا لم تعلن الحقائق على الملأ إلى الآن فتتجه أسر اضحايا إلى الجهة المتسببة في الكارثة للمطالبة بدمهم؟.