العلاقات التركية ـ الإسرائيلية.. من يستغل من؟

TT

أثناء الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون إلى أنقرة أخيراً، تكلم عن ما سماه بـ«الارهاب الكردي» بعد أن شرح «خطورة الإرهاب الفلسطيني على المنطقة» لنظيره التركي بلند أجاويد، فقال: «هذا الإرهاب يمسنا نحن اليوم وغداً سيمسكم أنتم أيضاً، إذا سكتنا عليه». وقد لمح شارون لنظيره التركي «بأن قوات الجيش التركي قضت قضاء تاماً على الإرهاب الكردي وكادت في سبيل ذلك (أن) تشعل حرباً مع سورية والعراق»، والحقيقة أن شارون أراد بذلك أن يلوم نظيره التركي الذي ينتقد اسرائيل في الوقت الذي اتبع قوة أكثر في مكافحة ما سماه شارون بـ«الإرهاب».

الظاهر أن شارون يتعجب في سره من أن نظيره التركي يحارب الشعب الكردي دون هوادة بحجة مكافحة «الإرهاب» فيغتصب أرض كردستان ويعمل على إبادة شعبها وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية حتى من استعمال لغته، ولكن ينتقد شارون على ما يقوم به هو في فلسطين المحتلة. فيتضح من ذلك أن شارون العسكري والسياسي المخضرم لم يفهم لحد الآن بأن اقتراب النظام التركي من النظام الإسرائيلي ليس هو رابط أخوي مستديم، وإنما اتفاق فرضه تشابه مصالح الطرفين في فترة زمنية معينة وهو موقوت بظروفه. ولعل شارون لم يسمع بالقول المأثور للجنرال ديجول «المعاهدات والاتفاقيات هي كالبنات الشابات والورود في أول الربيع». وفي الحقيقة أثبت الأتراك أنهم أكثر براعة في تجارة السياسة من شارون وزميله نتنياهو. فقد حصل الطرف التركي على الخبرات التكنولوجية الإسرائيلية والـ«نوهار» لتسليح جيشه بثمن بخس، وتمكن أن يسخر الاستخبارات الإسرائيلية كطرف فعال في اختطاف الزعيم الكردي عبد اللّه أوجالان في عملية إرهابية، كما استغل اسرائيل كورقة ضغط على الكونغرس الأميركي فمنعه من إصدار قرار بتجريم دولة الأتراك بسبب إبادة الأرمن، اسوة بالبرلمان الفرنسي. ولكن على ماذا حصل النظام الإسرائيلي مقابل ذلك غير نقمة الشعب الكردي وشعور الكرد أكثر فأكثر بأن غاصبي أرض غيرهم هم من قماش واحد مهما اختلفت ترجماتهم وتباينت أديانهم وتعددت أقوالهم؟

أنا لست بصدد الدفاع عن عبد اللّه أوجالان وحزبه العمالي الكردستاني ولا عن أي زعيم أو حزب كردي آخر. ولكن أوجالان لم يقم في بلد الأتراك بمجزرة مماثلة لمجزرة صبرا وشاتيلا على سبيل المثال لا الحصر كما لم يقم بأية عملية ضد إسرائيل عندما كانت مواقعه العسكرية على مرمى حجر من إسرائيل. أما الإسرائيليون فقتلوا في برلين أربعة من الشباب الكردي من الخلف، عندما كانوا يتظاهرون احتجاجاً على القرصنة الإسرائيلية. علماً بأن الآلاف من اليهود العراقيين والإيرانيين نجوا من الموت الزؤام بفضل هروبهم عن طريق كردستان المحررة. إنني أقول ذلك لأنني كنت من الكرد الأوائل القلائل الذين دعوا إلى السلم والمصالحة بين الشعب الفلسطيني والاسرائيليين وذلك قبل عقود من الزمن عندما كان التصريح بذلك يكلف الإنسان رأسه، أما السلم والمصالحة المشرفة فلا يأتيان من السماء وإنما عن طريق سياسيين صالحين يؤمنون بالإخاء الإنساني وبحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية، إن شعوب الشرق الأوسط المغلوبة على أمرها تعاني ويا للأسف من غياب هؤلاء الساسة الذين نحن بانتظارهم.