الموجة العقلانية لم تنكسر واغتيال المفكرين العقلانيين دليل على ذلك

TT

في العدد 8398 ورد مقال لأحمد عباس صالح (الاستجابة الثالثة في الصراع العربي ـ الاسرائيلي) يقول فيه ان التحدي الاسرائيلي كسر الموجة العقلانية التي بدأت منذ عهد محمد علي في مصر ولبنان وسورية التي بلغت ذروتها على ايدي طه حسين والعقاد وهيكل. فاذا انكسرت الموجة العقلانية فلماذا شهدنا في عصرنا هذا وبعد هزائم عسكرية، اغتيال مفكرين عقلانيين ومحاكمة آخرين قضائياً لاعمال فلسفية ادبية أو تاريخية نقدية؟ اتنجب الثقافة الراكدة المكسورة امثال هؤلاء؟ ولماذا شهدنا في عصرنا هذا ظهور مفكرين اقتصاديين وتراثيين واصلاحيين ودينيين على درجة عالية من الذكاء وحدة البصيرة والامثلة على ذلك معروفة؟ وانظر إلى اي مدى تطور فن الشعر واتجاهاته في كل بلد عربي، وإلى مساهمة اجيال، بعد الهزائم تنظيراً وترجمة ونظماً فيه بعد ان كان محصوراً في كلاسيكيات شوقي وحافظ إبراهيم وعصرهما، وانظر إلى تطور فن السيرة الذاتية وكتابة الرواية منذ أن نشرت أول رواية في أول القرن السابق إلى يومنا هذا، وإلى فن كتابة المقالة السياسية والادبية والفكاهية بل إلى النقد المسرحي والسينمائي الذي تصدى له من يطلق عليهم «جيش المثقفين» لمحاورة اي فكرة ولمناقشة اي جديد تخرجه المطابع في كل بلد لا يتكلم العربية، وإذا كسرت اسرائيل شيئاً فلقد كسرت الفرض الثقافي، والتمكين لفكرة ما يأتي ليس افضل مما كان، ففتحنا المعاهد وزدنا في عدد الجامعات وارسال البعوث البعثات، وولجنا في محاولات الحصول على التكنولوجيا وبلغنا الذروة في اقتناعنا بجدواها، لقد تفرعت الثقافة التي يشارك الآن الجميع فيها وربما تختمر الآن اتجاهات جديدة وموجات فكرية لم يشهدها الماضي القريب لتغير كثير من المسلمات ولمشاركة الجماهير في الثقافة نتيجة لتحرير الاعلام نسبياً من الاتجاه الواحد الذي يمتلك كل الحقيقة وينكر كل ما لا يمتلكه ولا يتذوقه، فالاجيال السابقة إما انها كانت تنقل من الغرب أو انها كانت تعارضه، والآن نحن نساهم معه بافكارنا في المؤتمرات والابحاث فوصلنا إلى كثير مما وصل اليه من الاعتراف.

وإذا انكسرت حدة الثقافة فكيف عرف العالم نجيب محفوظ، وكيف اجيز بجائزة نوبل؟ هل نحن مخدوعون، ام ان العالم يعترف فعلاً بزخم ثقافي وبنمو عقلي موجود عندنا؟ ثم لماذا طورد علماء الذرة في بلادنا؟ فمنذ ان تنازل أول دكتاتور في العالم العربي عن سلطاته وقدمها لجماهيره، انفتحت الثقافة الجماعية وتلاشت الثقافة الاحادية، ولذا تعددت الأفكار والمفكرين.