TT

في عدد صحيفة «الشرق الأوسط» الصادر بتاريخ 29/8/2001، وفي رسالة منشورة بقلم وداد فاخر من النمسا، ردّ فيها على مقال للدكتور محيي الدين اللاذقاني، وهي مملوءة بتجاوز الحقيقة التي عشناها بأنفسنا وشاهدناها بأم أعيننا. وأورد في ما يلي بعض النقاط توضيحاً للأحداث التي شهدها العراق في عهد عبد الكريم قاسم.

1 ـ عاش العراق في عهد عبد الكريم قاسم واحداً من أسوأ العهود وأكثرها ظلاماً ورعباً وإرهاباً، فبعد أن ضرب ضباط ثورة 14 يوليو (تموز) الأحرار وقام بإعدامهم وقتلهم وتشريدهم وسجنهم، أصبح هو الحاكم المطلق، وأصبح لقبه الرسمي المحبب إلى نفسه هو (الزعيم الأوحد)، اضافة إلى 53 لقباً آخر التي تضفي على صاحبها معاني الطغيان والديكتاتورية والفردية، وبذلك أصبح هو الوحيد الذي بيده اصدار القرارات وتنفيذها، ومن ذلك قرارات اعدام الكثير من ضباط العراق، ومنهم كبار ضباط الجيش العراقي، قادة ثورة 14 تموز، كالزعيم ناظم الطبقجلي، ورفعت الحاج سري، وغيرهما الكثير.

2 ـ شهد عهد عبد الكريم قاسم مآسي وفظائع وحمامات دم وجرائم سحل وتقطيع جثث في الشوارع يعجز القلم عن وصفها، كما استبيحت مدن بكاملها كما حدث في مدينة الموصل، عندما سمح عبد الكريم قاسم للشيوعيين بإقامة مهرجان ما يسمى بـ«أنصار السلام»، الذي كان تجمعاً وهجوماً لاستباحة المدينة المحافظة قتل فيها أبناؤها وتم سحلهم في الشوارع ومنهم الإمام هاشم عبد السلام والإمام توفيق النعيمي ولم يسلم من ذلك حتى النساء والأطفال، فأقدموا على قتل البطلة حفصة العمري وسحلوا جثتها في شوارع المدينة الباسلة وعلقت الجثة على أعمدة النور يعبثون بجسدها بالعصي والمدى. وفي كركوك أقيمت المجازر وسحلت الجثث وذبح أبناؤها التركمان.

3 ـ المحاكم الاستثنائية الهمجية التي أقيمت في عهد عبد الكريم قاسم كمحكمة المهداوي (ابن خالة الزعيم الأوحد)، التي ساقت الكثير من الضباط الأحرار وأبناء العراق الغيارى إلى ساحات الإعدام، وافظع تلك الجرائم لهذه المحكمة هي مجزرة أم الطبول التي تم فيها إعدام العشرات من خيرة ضباط الجيش العراقي الكبار. وكانت هذه المحكمة واحدة من أكبر المهازل في تاريخ العراق، حيث كانت المحكمة تُصدر الأحكام حسب مشتهيات الزعيم الأوحد، ويقوم هو بالمصادقة عليها وتنفيذها اشباعاً لشهواته ورغباته.

وتضاف إلى محكمة المهداوي محاكم اخرى، هي المهازل المأساة بعينها، كمحكمة عدنان القصاب وحسن الركاع وغيرهما، حيث كان يدفع بالمحكوم عليهم بالإعدام إلى الشوارع ليسلموا إلى الشيوعيين، حيث يقومون بذبحهم وتقطيع اوصالهم وسحلهم في الشوارع. 4 ـ سجون ومعتقلات العراق في عهد عبد الكريم قاسم، حيث بلغ المعتقلون 150 ألفاً في شعب لا يتجاوز سكانه الستة ملايين ونصف المليون إلا قليلا، حيث كان هؤلاء يعتقلون بأوامر عبد الكريم قاسم، ويسجنون بأمر الحاكم العسكري العام، وأرهب تلك السجون هو سجن معتقل كتيبة الدبابات الثاني في معسكر الرشيد وسجن الانضباط العسكري والأمن العام، وسجن باب المعظم، حيث كان يلاقي المعتقلون أبشع وأفظع صنوف الإرهاب والتعذيب بيد جلادي عبد الكريم قاسم.

5 ـ اعتقاله لعلماء الإسلام وزجهم في سجونه انتقاماً منهم لمواقفهم ضد انحرافه عن الدين ومحاربته له، وهو لم يشاهد طيلة حياته مصلياً ولو مرة واحدة، ولم يشارك المسلمين أي صلاة عيد أو جمعة أو مناسبة عبادية.

6 ـ ان ما يدعيه وداد فاخر من أن عبد الكريم قاسم كان صائماً يوم اعدامه، مدعاة للسخرية، فما معنى صيامه إذا كان قضى كل أيام حكمه في محاربة علماء الاسلام.

7 ـ لقد أسس عبد الكريم قاسم لثقافة شذوذ ممارسة السلطة في تعاملها مع أبناء الشعب ورسخ الديكتاتورية والفردية وهو أساس ما قام به البعثيون بعد ذلك، اذ انه رسخ ثقافة الاستهتار بحياة الناس وكراماتهم وحرياتهم. فقبل الحرس القومي البعثي كانت المقاومة الشعبية في عهده، وقبل محكمة الثورة البعثية كانت محكمة المهداوي، وغيرها في عهده، وقبل معتقل قصر النهاية البعثي كان معتقل كتيبة الدبابات الثانية والانضباط العسكري والأمن العام، وبذلك فهو أساس مآسي ومحن العراق اليوم.

8 ـ لم يقف مع عبد الكريم قاسم عند قيام ثورة 14 رمضان المباركة إلا الحزب الشيوعي، وهذا من سوء حظه وحسن حظ العراق وشعبه، حيث وقف الشعب كله في جهة وقاسم والشيوعيون في جهة، وكانت الغلبة للمظلومين والمسحوقين ضد الظالمين القتلة.

لماذا يغضب وداد فاخر اذا كان محيي الدين اللاذقاني ذكر شيئاً يسيراً من حقائق عبد الكريم قاسم، ومآسي حكمه، أنا ادعو إلى طرح الحقائق كما هي لا كما تشتهي النفس وتتمنى، فإن حقائق التاريخ أمانة يجب أن يُحافظ عليها المخلصون لا أن تشوّه حسب الرغبات والأمنيات، فنحن العراقيين نحمل ذكريات سوداء وأليمة ومريرة لا تقل عن ما نمرّ به الآن من مآس في العهد البعثي.